آخر الأحداث والمستجدات 

كيف تحولت جامعة مكناس إلى ساحة للتطهير العرقي بين الطلبة القاعديين والأمازيغ ؟‎

كيف تحولت جامعة مكناس إلى ساحة للتطهير العرقي بين الطلبة القاعديين والأمازيغ ؟‎

مرت 8 سنوات على المواجهات الدامية بين الطلبة القاعديين والأمازيغيين والتي راح ضحيتها كل عبد الرحمان الحسناوي ( الحي الجامعي الراشدية) ومحمد الطاهر ساسيوي - كلية الحقوق بمكناس- والمنتميان الى فصيل النهج الديمقراطي القاعدي- تيار البرنامج المرحلي، دون أن تلتئم الجراح الغائرة التي تركها الحادث الدموي الذي هز الرأي العام الوطني، إذ ظل التعايش الحذر بين الطلبة الأمازيغ والقاعديين سيد الموقف بجامعة المولى اسماعيل بمكناس والتي تعرف تغلغل قوي لكلا الفصيلين، فما الذي يجعل  العنف الخيار الأفضل لحسم الخلافات الإيديولوجية بين الفصيلين المتناحرين ؟ هل يجد إمتدادته التاريخية ببداية دخول الحركة الثقافية الأمازيغية الى الجامعة ؟ أم يعود الى تبني فصيل النهج الديمقراطي القاعدي لمرجعية تنهل من العنف باعتباره الخيار الأمثل لحسم الصراع مع خصومها الإيديولوجيين وضمنه الحركة الثقافية الأمازيغية التي تصفها ب " القوى الشوفينية الرجعية " و " القوى الفاشية " ؟ أم الى تباين الرؤى والتصورات بين الفصيلين والذي يجعل الحركة الثقافية الأمازيغية تصف الطلبة القاعديين ب " الجنجويد العروبي " ؟ أم هو صراع مواقع من أجل الإستحواذ على الساحة الجامعية بمكناس التي يعتبرها الطلبة القاعديون  " قلعتهم الحصينة "؟

حسب بعض  المراقبين، فإن بذور الصراع بين الطلبة القاعديين والطلبة الأمازيغ تجد امتداداتها التاريخية في عام 1989 وهو العام الذي شهد أول احتكاك بين الطلبة المنحدرين من المناطق الأمازيغية والطلبة القاعديين، ففي هذا العام ألقي القبض على طالبة ترتدي الزي التقليدي الأمازيغي من طرف عناصر محسوبة على فصيل الطلبة القاعديين وتعرضت

 لمحاكمة جماهيرية  بالمركب الجامعي ظهر المهراز بتهمة " نشر الميوعة "بالحرم الجامعي، وهو الحادث الذي أحدث صدمة قوية في الوعي الجمعي للطلبة الأمازيغ الذين اعتبروا الحادث " إهانة للتراث الأمازيغي " يستوجب تنظيم صفوف الطلبة الأمازيغ داخل الجامعات المغربية لرد الإعتبار، حيث تشكل الوعي لدى الطلبة الأمازيغ الذين كانوا أصلا ينتمون الى فصيل الطلبة القاعديين بأهمية استغلال الفضاء الجامعي للدفاع عن الهوية والثقافة الأمازيغية، فكانت كلميمة أول بؤرة للحركة الثقافية الأمازيغية، حيث ساعدها عامل القرب الجغرافي من كل من جامعة ظهر المهراز بفاس وجامعة المولى اسماعيل بمكناس على التوسع في صفوف الطلبة بشكل ملفت، وهو التوسع الذي أثار حفيظة الطلبة القاعديين، إذ نمت المخاوف في صفوفهم من سيطرة الطلبة الأمازيغ على جامعة المولى اسماعيل، فكان لابد أن تحدث احتكاكات ومناوشات بدءا من عام 2001 لتتطور الى اعتداءات على الطلبة الأمازيغ عام 2003 بموقع الراشدية – حسب موحى أخبوش طالب أمازيغي سابق-

وفي 12 ماي 2007 عاشت جامعة المولى اسماعيل يوما داميا إثر مقتل الطالب عبد الرحمان الحسناوي المنتمي الى النهج الديمقراطي القاعدي بالحي الجامعي الراشدية، ولم تكد تمر 10 أيام على الحادث حتى اندعلت مواجهات دامية بين الطلبة القاعديين والطلبة الأمازيغيين أدت الى مقتل الطالب القاعدي ساسيوي محمد الطاهر  بكلية الحقوق بمكناس، وهما الحادثين اللذين ساهم بشكل كبير في تفجير الصراع بين الطلبة القاعديين والطلبة الأمازيغيين ليس بمكناس فحسب بل بعدد من المواقع الجامعية.

فما الذي يجعل فصيل النهج الديمقراطي ينحو نحو اللجوء الى استخدام العنف لحسم خلافاته مع خصومه الإيديولوجيين بجامعة المولى اسماعيل ؟ سؤال حاولنا طرحه على طالب ينتمي الى تيار البرنامج المرحلي بجامعة المولى اسماعيل، لكنه امتنع عن الإدلاء بأي تصريح " للوطن الآن " في الموضوع، لكن بالعودة الى أدبيات فصيل النهج الديمقراطي القاعدي وخصوصا تيار البرنامج المرحلي، نجد أن من جملة النقاط التي يرتكز عليها " مواجهة ما يمكن مواجهته في أفق المواجهة الشاملة "، الى جانب تبنيه لأفكار وشعارات تعتبر " العنف الثوري " المحدد في علاقته مع مختلف مكونات وفصائل الحركة الطلابية، ومنها الشعار الذي أضحى يرفعه في السنوات الأخيرة " لابديل عن مواجهة العصابات الشوفينية "، فهو يعتبر أن  الحركة الثقافية الأمازيغية " عصابات مكونة من افراد يستغلون بصورة واعية أو غير واعية وضع المسألة الأمازيغية ووضع أبناء الكادحين الناطقين بالأمازيغية، مؤطرين ذلك بمشاريع وهمية لا تخرج عن نطاق مصالح التحالف الطبقي المسيطر " الى جانب اتهام  فصيل النهج الديمقراطي القاعدي الحركة الثقافية الأمازيغية بتحويل محور الصراع " من صراع طبقي بين مالكي وسائل الإنتاج وبائعي قوة عملهم الى صراع بين " أمازيغي " و " عربي " مشوهين بذلك المسألة الأمازيغية لضرب التحالف الطبقي الشعبي "، ليس هذا فحسب ففصيل النهج الديمقراطي القاعدي يعتبر الحركة الثقافية الأمازيغية مجرد " كثلة هلامية تدر الرماد في أعين الجماهير " ولذلك لايمكن القضاء عليها إلا من خلال ما يسميه أنصار البرنامج المرحلي ب الحرب الثورية "، ولايتردد القاعديون أنصار البرنامج المرحلي في الإستشهاد بمقولات للينين أو كارل ماركس أو فريدريك أنجلز تتخذ من العنف وسيلة مقدسة لحسم الصراع، من قبيل مقولة لينين " إن ما يتحدث عن " العنف " بوجه عام دون أن ينظر بوضوح الى الأحوال والشروط التي تمييز بين العنف الرجعي والعنف الثوري، إنما يعطي الدليل على أنه تافه ضيق الأفق يتخلى عن الثورة " .

ولاينفي عبد الصمد فينيك الناشط الحقوقي الأمازيغي أن كلا الفصيلين المتناحرين استخدموا العنف سواء في شقه الرمزي أو الجسدي باستعمال السيوف والمديات والأسلحة البيضاء، والذي أدى في المحصلة الى الزج بروح عبد الرحمان الحسناوي وساسيوي محمد الطاهر في أتون الحروب والمواجهات بين القاعديين والأمازيغيين، لكنه ينفي بالمقابل ضلوع الطلبة الأمازيغيين المعتقلين  والمحكوم عليهم ب 10 سنوات سجنا  في حادث مقتل الحسناوي وساسيوي، مشيرا الى أن وفاة الحسناوي وساسيوي هي مأساة للحرك

الطلابية، داعيا الى إشاعة ثقافة الحوار والتسامح والتعايش الفكري بين مختلف المكونات والفصائل بالحركات الطلابية، لكن كل هذا لن يتأتى إلا من خلال مبادرات للصلح والتقريب بين الفصيلين ؟ سؤال طرحناه على الناشط الحقوقي عبد الصمد فينيك، فكان الجواب أن الساحة الجامعية بمكناس شهدت إطلاق مبادرة لتقريب وجهات النظر بين الفصيلين المتناحرين عام 2011  برعاية فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمكناس، وهي المبادرة التي كان مصيرها الفشل الذريع بسبب رفض الطلبة القاعديين لتدخل أية جهة خارج الجامعة تحت ذريعة " عدم المس باستقلالية الجامعة "، وهو نفس المصير الذي لقيته مبادرة سابقة بالراشدية لنفس الأسباب والذرائع، علما أن الحركة الثقافية الأمازيغية لبت النداء دون أدنى تردد متشبتة بضرورة رعاية الحوار من قبل جهة حقوقية أو سياسية خارج الجامعة بحثا عن ضمانات لعدم تكرار حوادث العنف بالجامعة، علما أنها سبق أن وقعت بيانات سابقة مع الطلبة القاعديين بأكادير ومواقع جامعية أخرى تتضمن التزام القاعديين بنبذ العنف في الجامعة – يقول موحى أخبوش – لكن دون جدوى، إذ سرعان ما عاد العنف ليخييم من جديد على الساحة الجامعية.

كما قاد الناشط الأمازيغي أحمد الدغرني رفقة محامين ينتمون للصف اليسار مبادرة مماثلة بالرباط عام 2012 دون أن تنجح في تقريب وجهات النظر بين الطلبة الأمازيغيين والقاعديين الذين أبدوا تشبتهم بعد إنطلاق الحوار بالنظرية الماركسية باعتبارها إطارهم المرجعي، وبالتالي من الصعب وصولهم الى أية صيغة للصلح- حسب بعض المراقبين – بالنظرلكونهم يعتبون الحركة الثقافية الأمازيغية مجرد " أداة بيد المخزن لتصفية الحركة الطلابية ".

ويرى نشطاء يساريون بجامعة المولى اسماعيل أن القاعديين يتبنون موقف مواجهة الحركة الثقافية الأمازيغية مواجهة مستمرة لأنهم يعتبرونها مجرد " أداة لتمرير مخططات المخزن "، مشيرين الى أن العنف لايمكن تبريره أيا كانت مسوغاته، مبدين رفضهم لتنصيب فصيل الطلبة القاعديين نفسه مفتيا لليسار الراديكالي واحتكار صلاحيات تصنيف تيارات العمل الطلابي بين من يجوز له أن يساهم في نشاطه النقابي ومن يحرم عليه ذلك تارة باسم معاداة الإصلاحية السياسية، وتارة أخرى باسم محاربة " القوى الظلامية " و " القوى الشوفينية"، علما أن عنف الطلبة القاعديين أضحى يطال في السنوات الأخيرة الفصائل التقدمية من داخل الساحة الجامعية.

ويبقى المخرج – حسب بعض العارفين بخيوط أزمة الحركة الطلابيىة –  من هذا المأزق الخطير الذي حول الجامعة الى ساحة حروب ومواجهات، هو إعادة الإعتبار للعمل النقابي الديمقراطي والذي يبقى مشروطا بضرورة تحمل مختلف الأطراف الفاعلة في الحركة الطلابية لمسؤولياتها التاريخية تجاة الحركة الطلابية، علما أن انسحابها من الساحة الجامعية ساهم بشكل كبير في تغذية كل التوجهات الإقصائية التي تعتبر نفسها أولى بقيادة العمل الطلابي.

 

 

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : هشام ناصر
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2016-01-19 00:44:44

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك