آخر الأحداث والمستجدات
سلطة الموت القاهرة
حرب الحياة والموت إن سلمنا بها تجعل من الموت هو المنتصر في الفر والكر ،هي ذي الحقيقة الغائبة عنا جميعا ،ليس غيابها سذاجة منا بل لأننا نكره الموت ونجعل من ذكره موضع شؤم على امتداد الأزمنة والشعوب . من تم استسلمنا جميعا للصورة النمطية للموت ...الصورة التي ترعبنا وتقوض مضجع حياتنا الفردية والجماعية...
الموت حتمية ربانية تنجر علينا بالتساوي جميعا . إنها خروج الروح من الجسد والانتقال إلى محطة الخلد الأخروية . كلنا نعترف طوعا بسلطة قهر الموت كصفة وجودية خلقت ضد الحياة . ثم نستوثق من قولنا أن الموت ظاهرة مخلوقة كالحياة تماماً (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك:2،وباعتبار موضع الموت الوجودي ولو اختلفت كينونته بين الجوهر والعرض ...
إيماني الوثيق أن كل الحوادث لها خيوط قابلة لفك تشبك عقدها ،والتفاوض حول حل إشكالاتها ، إلا الموت فهو وضعية الختم الدنيوية التي لا نزايد فيها ولا نقبل التزايد عليها .
وليكن تعريفنا الأولي للموت أنه إرادة الحياة وليس الفناء ، فأول شهقة ولادة هي بداية مشوار الموت بالعد التنازلي، إنه الأمر الوجودي بمنطق إيمان الإنسان ( النقلي /العقلي ) بحقيقة الموت كحتمية لا مناص من حدوثها ، لا نبتغي في هذا المقام التحدث عن فلسفة الموت (نظرية التناسخ والتجسد... التحولات ... ) ، وهي أمور إن تعاطينا معها نسقط في جدال عقيم بين الرؤية الدينية التي نؤمن بها في النصوص الواردة كشواهد قطعية ، وبين الرؤية العلمية المادية للموت والتي تلخص الموت في توقف الجسم عن أداء وظائفه الفسيولوجية ...
نعمة الموت تماثل نعمة الحياة بالتوازي ، لكن لما تدمع العين عند لحظة الموت ؟ لما نفرح بالحياة ؟ لا نختلف في أن مصيبة الموت لها سلطة القهر المادي والمعنوي علينا ، وتطوح بنا نحو مستنقع الحزن والألم . قد يقول قائل مادمنا نحن معشر المسلمين نؤمن بالقدر خيره وشره ، فلما الحزن والخوف من الموت ؟ لما نربط تصوراتنا للموت بالعدم والفناء ؟ لما نرى الموت كحرب تثكل - ( الثكْلُ بالضّمّ : الموتُ والهَلاكُ وفِقْدانُ الحَبِيبِ والوَلَدِ ) - كينونة الإنسان في وجوده الدنيوي ؟ لا نحتاج إلى تسويغ لبعض إجاباتنا ، وإنما نجيب أنها أحزان الفراق ...إنها دموع نشأة موضع الفراغ العاطفي / الألفي/ الارتباطي....إنها حرقة مصيبة واقعة الموت ... لا نعارض القوة الربانية القاهرة للعباد بالموت ...لكننا بعواطفنا الإنسانية وألفتنا البشرية نمتحن من طرف الخالق عن مدى صبرنا وتجلدنا في مواجهة هجمة الموت غير المستأذنة لأرواحنا .
رحمة الموت ونعمتها تظهر لنا النظام الإلهي المبدع للخلق والكون ،فانتظام الموت كمخلوق مضاد للحياة يضعه ضمن معقولية الوجود وانضباطه وفق سلطة الرب .
التجربة علمتنا الأفيد لنا على المستوى النفسي والعقدي ، وهي توسيع حقينة سد الثقة بالحياة في بعدها الأولي الدنيوي وامتدادها الثاني الأخروي ... ثقة يمكن أن تنقلنا من اعتبار الموت شبحا مخيفا ومرعبا لأركان الوجود إلى الإقرار برحمة الموت ونعمته الربانية . وهو البعد الذي في حده الأقصى /النقلي يلخص الموت كرحلة نحو الدار الآخرة كديمومة حياة تقر فيها النفس وتطمئن فيها لعدالة وكرم الإله.
حرب الحياة والموت إن سلمنا بها تجعل من الموت هو المنتصر في الفر والكر ،هي ذي الحقيقة الغائبة عنا جميعا ،ليس غيابها سذاجة منا بل لأننا نكره الموت ونجعل من ذكره موضع شؤم على امتداد الأزمنة والشعوب . من تم استسلمنا جميعا للصورة النمطية للموت ...الصورة التي ترعبنا وتقوض مضجع حياتنا الفردية والجماعية ، فنحن نعاشر الموت كل يوم ونتحدث عنه بالكراهة ، لكننا نختلف ونتفاوت في مدى الاستعداد له وتقبله كزائر غير مرحب فيه عند أغلبيتنا الساحقة . من تم لا نفكر في الموت بالمحصلة الدينية والملكة العقلية ، وإنما نغلب العواطف الشعورية ونركب عليها بموضع التوحل ولو في الحزن والخوف .
علينا أن نقر أن الله عز وجل خلق الموت في الدنيا بينما الحياة في الآخرة ، هذا التعريف الثاني للموت ذو تمفصلات موضعية بين تموقع الموت في الخلق بالسبق ، والحياة بالتقابل اللاحق في الزمان ولما لا نقول بالمكان كذلك ، مما يجعلنا نعلن أن الموت ليس هو العدم المحض ،وإنما هو الحيلولة بين البدن والروح ، انه تسريح وإنهاء لوظيفة الحياة الدنيوية ،على أساس نقلة أشرف بنعمة الحياة الأخروية والاطمئنان الخالد.
الإيمان بالقدر خيره وشره ،والطاعة الطوعية تنقلنا من النفس الخائفة المشمئزة من الموت كحتمية إلهية ،إلى النفس المطمئنة التي ترجع إلى ربها راضية مرضية . ومحصلة القول في الأثرالنقلي من تمام امتلاك خصلة الصبر والتي منالها صعب لحظة وقوع حالات الموت ، إلا من استحضر قوله تعالى بقوة في سورة البقرة الاية 155/157" وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " صدف الله العظيم .
الكاتب : | محسن الاكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2015-04-20 23:31:50 |