آخر الأحداث والمستجدات
المركب الإجتماعي بأزرو على صفيح ساخن بعد وفاة ثلاثة نزلاء في أسبوع واحد
لقي ثلاثة عجزة بينهم امرأتان، حتفهم في أسبوع، اثنان منهم توفيا في يوم واحد، نتيجة تدهور حالاتهم الصحية للإهمال الذي عانوه وزملاؤهم بدار العجزة بمدينة أزرو التي تعيش غليانا غير مسبوق منذ تعميم نشر صور صادمة لمعاناة لا تنتهي لمسنين رمت بهم ظروفهم الاجتماعية، إلى ما بين أسوار لم ترأف لأحوالهم وحولتهم إلى أداة للتنافس السياسي قبل أن تزلزل الدار باحتجاجات جمعويين. ويلات ومصائب هذه الدار العارف أهلها بخبايا ما يدور بين أسوارها، تواصلت بتوالي سقوط الضحايا تباعا، لترتفع الأصوات الصادحة بمعاناة نزلاء ابتلعوا ألسنتهم خوفا، مطالبة بالتحقيق في أسباب الوفيات ومشاكل حصروها في بيانات وضعت مسؤوليها، محل مساءلة في انتظار ما ستسفر عنه الأبحاث القضائية وتدخلات السلطات الإقليمية بعمالة إقليم إفران.
مساء السبت الماضي 14 فبراير 2015م، تواصل سقوط العجزة كأوراق الخريف في مركز اجتماعي يعيش قمة الاستهتار بأرواح مسنين محتاجين إلى محبة في عيد الحب المحرومين منه منذ وطأت أقدامهم بابه قادمين من قرى نائية افتقدوا فيها إلى الحضن الدافئ. النزيلة شريفة صديقي، ثالث ضحية في مسلسل الإهمال، توفيت نتيجة مضاعفات إصابتها بالفشل الكلوي من الدرجة «س».
كان مرتقبا نقل الضحية المتحدرة من نواحي إقليم إفران، إلى المركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بفاس، لتلقي العلاج اللازم. لكن ذلك تأخر أكثر من اللازم، قبل أن توافيها المنية بعد أقل من يوم على وفاة زميلها محمد الدراوي، الذي طال انتظاره إجراء تحاليل طبية لعلاجه من مرضه من قبل الطبيب المختص، ونحو أسبوع من وفاة زميلتهما زهرة النماس بالمستشفى الإقليمي.
التحقيقات جارية
التحقيق جار في سر توالي سقوط العجزة في آخر خريف عمرهم، ضحايا المرض والإهمال وما جاورهما، بأوامر من النيابة العامة. وعناصر الشرطة القضائية تنقلوا إلى الدار لاكتشاف خبايا الضجة وأسباب الوفيات، واستمعوا إلى النزلاء، أملا في فك لغز وضع تحول إلى حرب ضروس انتقلت إلى صفحات الشبكة العنكبوتية المنشور فوقها غسيل دار مفروض أن تكون حضنا دافئا لنزلائها.
ومقابل ذلك تواصل الجمعيات الحقوقية والمدنية، حشد الدعم لمعاركها ضد واقع إهمال النزلاء، وشحذ لغتها لمواجهة تروم تحقيق نصر مبين ليس لها وإنما لفئة ظلت تعاني في صمت دون أن تلتفت إليها كل الجهات المعنية بالحرص على إسعادها وتوفير الشروط الملائمة لإقامة مريحة بدار مولت بميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ودشنت من قبل جلالة الملك قبل سنوات خلت.
صور صادمة
زلزلت صور فوتوغرافية كاشفة مأساة نزلاء ونزيلات المركب الاجتماعي والتربوي والرياضي بأزرو، نشرت على نطاق واسع إلكترونيا، أسوار المركب للهزة الكبيرة التي لا تحتاج إلى سلم ريشترز لقياس درجة قوتها، وأطاحت بإدارته في انتظار الآتي من قرارات تنقية هذا المرفق العام الذي دشنه جلالة الملك وأنجز بتمويل من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قبل 7 سنوات خلت.
التهابات حادة بمؤخرة نزيلة مسنة عصفت بها ظروف اجتماعية بين أحضان المركز، ناتجة عن إهمالها، نقلتها صورة مؤثرة نشرت إلكترونيا مرفوقة بتعليقات وصلت إلى حد تشبيه المركب ب”غوانتانامو أزرو”، والمطالبة بالمتابعة القضائية والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه “العبث” بأرواح بشرية بريئة “حكمت عليها الظروف” أن تنهي آخر عمرها في هذه الدار.
وبدت آثار التعنيف واضحة على جبهة نزيلة أخرى نشرت صورتها في موقع “فيسبوك” الذي استنجد رواده بجلالة الملك مطالبين بفتح تحقيق في ما يعرفه هذا المركب الاجتماعي الذي افتتحه بنفسه في 2008 ويتكون من دار للشباب المغلقة في غالبية الأحيان ولا تقدم أي خدمة، وأخرى للعجزة تحوي 48 نزيلا 29 منهم ذكور، وثالثة للأطفال المتخلى عنهم وتضم بين أسوارها 29 طفلا وطفلة.
الصور المتداولة بموقع “فيسبوك” على إيقاعي “جيم” و”برطاج”، عجلت بتنقل عبد الحميد المزيد عامل إقليم إفران، إلى هذا المركز في أول خروج رسمي له منذ تعيينه قبل أسبوع، إذ وقف على حجم إهمال نزلائه، قبل أن يأمر بنقل مسنة في نهاية عقدها الثامن، إلى المستشفى الإقليمي، لكنها توفيت السبت الماضي تزامنا مع احتجاجات عارمة نفذتها فعاليات مدنية هزت كيانها، معاناة النزلاء.
جمعيات غاضبة
لم تكن وقفة نحو 20 جمعية بالمدينة، الوحيدة أمام المركز بعد يوم واحد من إعفاء مديرته لأسباب لا تعلمها، قبل أن ينقلوا احتجاجهم إلى المستشفى بعد علمهم بوفاة الضحية “زهرة النماسي” نتيجة الإهمال وسوء التغذية، مطالبين بإخضاع جثتها إلى التشريح الطبي لتحديد أسباب وفاتها وفتح تحقيق في ذلك ومتابعة كل من ثبت تورطه في إهمالها، بل تواصل الاحتجاج مع توالي سقوط الضحايا.
“الساكت عن الحق شيطان أخرس” شعار اختارته تلك الفعاليات لوقفتيها ضدا على “الاختلالات الكبيرة التي يعرفها المركب وتمس كرامة وإنسانية النزلاء”، في صرخة مدوية وقوية رفعتها في وجه الظلم الذي نقلته نزيلات استمع إليهن في اجتماع بمقر جمعية شباب بلا حدود قبل يومين من الوقفة الداعمة لهن والمستنكرة للوضع الكارثي الذي تعشنه وزملاؤهن قاطنو دار العجزة بالمركز. وغضب جمعويو أزرو لسوء التسيير الإداري بالمركب وسوء صرف المساعدات وغياب الحراسة والزبونية والمحسوبية في توظيف المستخدمين خارج معايير الكفاءة التي تؤهلهم للقيام بمهامهم على أحسن وجه، وسوء تغذية النزلاء وتعرض أمتعتهم إلى السرقة وحرمانهم من الاستحمام وانعدام مواد النظافة والمواكبة الصحية اللازمة والنقص في الأنشطة المقدمة لهم وغياب تأطيرهم تربويا.
وأبشع من ذلك تحدث ممثلو الجمعيات المجتمعون الخميس الماضي، عن تعرض النزلاء والنزيلات إلى التعنيف الجسدي والنفسي من قبل بعض المستخدمين، وغياب النظافة والتدفئة خاصة في مثل هذه الأيام التي انخفضت فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مشيرين إلى الأوضاع الكارثية التي يعيشها المحتمون بأسوار هذا المركز، مؤكدين أن وفاة زهرة ما هي إلا قطرة أفاضت الكأس.
بدت مديرة المركز المعفاة من مهامها، مرتبكة وهي ترد على سؤال ل”الصباح” حول دوافع اتخاذ القرار، دون أن تفيد في شيء، فيما قالت مصادر جمعوية إن القرار اتخذ مباشرة بعد زيارة العامل ووقوفه على معاناة النزلاء والنزيلات المغلوبين على أمرهم، رغم محاولة بعض مسؤولي المركز، التستر على ذلك والحيلولة دون احتكاكهم المباشر بالسلطات الإقليمية.
وقالت مصادر “الصباح” إن نزيلات ونزلاء هذا المركب الذي تسيره الجمعية الإقليمية للأعمال الاجتماعية والخيرية بإقليم إفران، عاشوا منذ سنوات حلقات متواصلة من مسلسل الترهيب والتهديد من قبل بعض مسيري المركب الذي نشر غسيل فضائحه إلكترونيا قبل أن ينفجر على أرض الواقع بإعفاء المديرة في انتظار نتائج الأبحاث الجارية لتحديد المسؤوليات والرؤوس المحتمل إسقاطها.
ويعاني المركب عدة مشاكل في التسيير بينها النقص الكبير في النظافة والتغذية والتطبيب، وضعف إمداداته المادية خاصة أن بعض الجماعات المحلية بإفران المفروض دعمها للمشروع، تتملص من مسؤولياتها في دعم الجمعية الخيرية المكلفة بتدبير شؤونه، ما يجعلها في وضعية عجز دائم، ما دفع مكتبها إلى تقديم استقالة جماعية حضرت بعدها لجنة تفتيش من إدارة التعاون الوطني.
وبررت مصادر أخرى الاستقالة التي مهد لها بإنشاء لجنة مختارة للإشراف المؤقت على إدارة هذا المركب في انتظار تعيين مدير رسمي، بالتضييق على عمل الجمعية وإحداث قلاقل لفرملتها خاصة بعد التحاق موظفة وضعت رهن إشارة الجمعية من قبل المندوبية الإقليمية للتعاون الوطني، ما جعل هذا المرفق العمومي يعيش في ظل قلق وصل إلى حد الاحتقان الذي مس سمعة مسيريه.
الكاتب : | حميد الأبيض |
المصدر : | جريدة الصباح |
التاريخ : | 2015-02-17 17:54:44 |