آخر الأحداث والمستجدات
ريبورتاج من داخل سجن النساء تولال 3 بمكناس

في رحلتها إلى السجون المغربية، اكتشفت «الأخبار» أن الاكتظاظ يبقى المعضلة الكبرى داخل كل السجون التي زارتها الجريدة، واطلعت عن كثب على روايات مثيرة لسجينات قاتلات وتاجرات مخدرات ومحبوسات من أجل اختلاس الأموال العامة.
«الأخبار» تنقل إليكم حيل وطرق تهريب السجينات للمخدرات داخل السجن، وقصص «الكابرانات» اللواتي حولن سجينات إلى جاريات. فبدعوة من المندوبية السامية للسجون واستجابة لطلب الجريدة الذي وضعته سابقا لدى المندوبية، تعبر فيه عن رغبتها في زيارة بعض سجون المملكة، زارت «الأخبار» خمسة سجون وعاشت أياما خلف القضبان وعاينت ظروف عيش السجناء. الملاحظ هو أن مندوبية السجون اختارت سجونا بعينها وكان الاختيار مدروسا، ولم تترك للجريدة الحق في اختيار السجون التي ترغب في زيارتها. الأمر ذاته ينطبق على الأجنحة داخل السجون التي شملتها الزيارة. المسؤولون كانوا يدخلوننا إلى أجنحة مختارة بعينها لحاجة في نفس يعقوب. «الأخبار» تنقلكم إلى عوالم السجون.. فلنتابع..
هو «سجن ممنوع على الرجال»، يوجد بمدينة مكناس، لولوجه لا بد من المرور عبر عدة أبواب موصدة، إذ يقع بقلب مركب سجني.. إنه «تولال»3 ، سجن يضم 91 سجينة اختلفت أسباب اعتقالهن وظروفهن الاجتماعية.
أسماء أغندور، أخصائية نفسية أكدت لـ«الأخبار»، أن العديد من السجينات في المغرب يواجهن مشاكل نفسية، وذلك بسبب صعوبة تأقلمهن داخل السجن، خاصة المراهقات منهن، مما يتطلب رعاية نفسية خاصة لتفادي إقدامهن على الانتحار.
«الأخبار» قامت بزيارة مفاجئة لسجن «تولال 3» والتقت سجينات متهمات بالقتل، يفتحن قلوبهن لأول مرة.. التفاصيل تكتشفونها في هذا الربورتاج.
«عقيقة» وراء القضبان
بعد دخولنا من الباب الأول للمركب السجني، سمعنا أصوات الزغاريد والموسيقى «العيساوية»، لننتقل بعد ذلك إلى قلب سجن «تولال 3» الخاص بالنساء.
كان الأمر يبدو غريبا في ممر داخل السجن، إذ كانت السجينات يرقصن ويضربن على «الدف» و«الطبل»، فيما أخريات «كن منشغلات في تحضير «الرفيسة».. مشهد غريب جعلنا منبهرين بما رأيناه، لنتساءل «هذا سجن أم قاعة أفراح؟».
فجأة ظهرت امرأة تتوسط السجينات تحمل طفلا حديث الولادة، وتتلقى التهاني والزغاريد.
تقول مديرة السجن، في حديثها مع «الأخبار»: «إنه حفل عقيقة، هكذا تحتفي السجينات بمولود جديد داخل السجن، يحاولن الفرح ونسيان معاناتهن وتحويل السجن إلى قاعة أفراح. فمن الصعب على المرأة تقبل فكرة ولادة طفلها خلف القضبان، لذا يتطلب الأمر متابعة نفسية ورعاية خاصة».
كاميليا (اسم مستعار)، 34 سنة، تحكي أنها ولدت طفلتها في سجن عكاشة بمدينة الدار البيضاء، غير أنها رفضت إبقاءها داخل السجن، لتتركها تعيش لدى أختها، أفضل من أن تعيش وراء القضبان وتحرم من الحرية مثلها.
وتقول السجينة ذاتها: «حفل العقيقة يجعلنا ننقص يوما واحدا من عقوبتنا السجنية، إذ نسرق ساعات نفرح فيها هربا من مشاكلنا».
وعن سبب سجنها، تروي «كاميليا» أن الشرطة ألقت القبض على صديقتها في مطار محمد الخامس بمدينة البيضاء، وهي تحاول تهريب مخدرات داخل حقيبتها. وبعد التحقيق معها، ورطتها معها في القضية لتقضي المحكمة في حقها بست سنوات سجنا نافذا. مسترسلة أنها عاشت أسوأ أيام حياتها بسجنين في مدن مختلفة قبل أن تلتحق بمكناس، مشيرة إلى أنها حرمت من زيارة إخوانها من الكفالة، كما تعرضت للإهانة داخل الزنزانة من قبل «الكابرانة»، وهي سجينة تفرض نظاما خاصا داخل الزنزانة، حيث تفرض على باقي السجينات أن يشتغلن خادمات لديها.
وتضيف المتحدثة ذاتها، أن السجينات غير متساويات بينهن، خاصة اللواتي لا يحظين بزيارة أسرهن، أي المحرومات من «القفة»، بينما في سجن «تولال»، بعدما أصبحت بالقرب من أسرتها صارت وضعيتها النفسية تتحسن خاصة لعدم وجود «كابرانات»، داخل الزنزانات، فجميع السجينات في كفة واحدة، حسب تصريحات محدثتنا دائما.
نساء قاتلات
بجانب كاميليا كانت تجلس سجينة (56 سنة)، نظراتها حادة، تبدو امرأة قوية.. إنها سجينة ليست مثل باقي السجينات لا أحد يعلم تهمتها سوى الموظفات والمديرة. فتهمتها ثقيلة تقشعر لها الأبدان، ومعروفة على الصعيد الوطني، إذ قضت المحكمة بسجنها إلى الأبد بعد مرور خمس سنوات من إيداعها السجن الاحتياطي، حيث وجهت إليها تهمة بقتل ابنها وابنتها، وتقطيع جثتيهما إلى قطع وضعتها في حقائب السفر وأرسلتها عبر قطارات في اتجاه مدن مختلفة لطمس معالم الجريمة.
أصرت السجينة على الحديث معنا، حيث قالت: «اعترفت بقتلي لابني تحت الضغط، إذ تلقيت تهديدا عبر الهاتف»، قبل أن تضيف «أن تقرير الطب الشرعي جاء عكس ما صرحت به في اعترافاتي، فمن المستحيل أن أقطع جثتي ابني بمنشار كهربائي بدقة عالية»، مشيرة إلى أنها التقت ثلاثة أشخاص من بينهم خليجيان يزوران ابنتها داخل منزلها، وتحكي أنها عانت كثيرا بسبب مقتل ابنيها مصرة على أنها لم تقم بقتلهما، وأنها بكامل قواها العقلية.
وتعود تفاصيل هذا الملف الذي استأثر باهتمام الرأي العام، إلى العاشر من شهر يوليوز من سنة 2009، حين اهتزت مدينة مكناس على وقع خبر العثور على أشلاء بشرية داخل حقائب بالقرب من حمامين بحي الزرهونية بمكناس وأماكن أخرى متفرقة. بعد اعتراف المتهمة تراجعت عن أقوالها، إذ صرحت عند استنطاقها من قبل قاضي التحقيق، أن عصابة متخصصة في الاتجار في المخدرات والدعارة وتهجير الفتيات إلى الخليج، أرسلت أفرادها للانتقام من ابنتها التي كانت تربطها علاقة بالعصابة،
وفوجئت بوجود خليجيين ومعهما شخص مغربي، طلبوا منها اقتناء حقائب، وكلفوها بحمل حقيبتين إلى مدينتي سيدي قاسم والقنيطرة، رفقة الشخص المغربي، مهددين إياها بتوريط ابنيها إن هي رفضت تلبية الطلب، ظنا منها أن الحقائب تحتوي على المخدرات، نافية أية علاقة لها بالحقائب الأخرى التي تم العثور عليها.
تعد نسبة النساء السجينات ضئيلة مقارنة مع الرجال، ويرجع البعض السبب إلى كون المرأة تمتلك صفات الحنان والطيبة، التي تجعلها بعيدة عن عالم الجرائم.
«الأخبار» صادفت سجينة كانت تحمل طفلة ذات عينين خضراوين مثل ملاك أجنحتها منكسرة بسبب استيلاب حريتها داخل سجن محرم على الأبرياء. لكن قدرها كان أن تعيش وراء القضبان رفقة أمها السجينة، هذه الأخيرة تسببت في قتل خليلها بعد ليلة ماجنة، لتقضي المحكمة في حقها بالسجن عشرين سنة.
تقول السجينة ذاتها: «لا أعرف والدي فمأواي هو الشارع، وأنجبت طفلتين غير شرعيتين».
تحكي السجينة حاملة طفلتها الصغيرة بين ذراعيها، أنها كانت في حالة سكر رفقة خليلها، يمزحان مع بعضهما بواسطة السكاكين، إلى أن طعنته، مؤكدة في تصريحاتها أنها لم تكن تنوي قتله. وعن حياتها داخل السجن، قالت النزيلة نفسها إنها تعودت على العيش بالزنزانة بصعوبة بالغة برفقة طفلتها الصغيرة، قبل أن تضيف أن معاناتها داخل السجن ستزداد بعد بلوغ طفلتها خمس سنوات، حيث سيتم إبعادها عن السجن.
وأشارت السجينة إلى أن طفلتها الثانية غير الشرعية تعيش بعيدة عنها لدى إحدى السيدات التي قبلت التكفل بها.
طالبات وراء القضبان
بسبب الحياة المملة داخل السجن، هناك من السجينات من يفضلن مشاهدة الأفلام التركية والمكسيكية، بينما أخريات يتشبثن بالدراسة أملا في حياة أفضل تنتشلهن من الضياع.
(بثينة) اسم مستعار، صادفناها داخل حضانة الأطفال تجلس القرفصاء لوحدها بعيدا عن ضجيج باقي السجينات، حيث كانت تستعد لاجتياز الامتحانات، إذ تدرس في السنة الثانية شعبة الدراسات الإسلامية.
تقول في حديثها مع «الأخبار»، وهي مترددة، أنها تدرس بدون هدف، فقط من أجل تحدي الملل داخل السجن.
وعن سبب دخولها السجن، لم نفهم شيئا من كلامها، إذ كانت تتحدث بشكل غامض. لنعلم في ما بعد أن سبب سجنها يعود إلى قتلها لزوجها دفاعا عن النفس، وهو الذي دأب على ضربها، فقامت بقتله من دون قصد بواسطة سكين، لتقضي المحكمة في حقها بالحبس أربع سنوات، إذ تمتعت بظروف التخفيف بعد أن شهد أهل القتيل لصالحها.
بعد الحادث تعيش السجينة (بثينة) داخل قوقعة مغلقة حيث كرست حياتها للدراسة فقط، لتصبح من بين التلاميذ النجباء في الكلية، بالرغم من سجنها.
خديجة (اسم مستعار)، 19 سنة اختارت هي الأخرى أن تتابع دارستها في سلك الثالثة إعدادي، بعد أن قضت المحكمة بسجنها لمدة ثمانية أشهر، بتهمة الضرب والجرح، حيث تسببت في تشويه وجه زميلتها في الفصل الدراسي.
تحكي النزيلة أنها تشاجرت مع صديقتها فقامت الأخيرة رفقة فتاة أخرى بالهجوم عليها حاملة سكينا من الحجم الكبير وآلة حادة محاولة ضربها، لكنها دافعت عن نفسها لتخطف منها الآلة فضربتها بها.
تقول السجينة: «الحياة صعبة في السجن، فدراستي هي أملي الوحيد في هذه الحياة، لكنني أواجه عدة مشاكل في الدراسة، حيث أعتمد فقط على المقررات بدون أستاذ يوجهني». قبل أن تضيف أنها لم تتأقلم مع باقي النزيلات في السجن، لكونها لا تثق بهن، فأفكارها تختلف عنهن بكثير.
فاطمة أقبيش مديرة سجن «تولال 3»:«نسبة جرائم الفساد تحتل الرتبة الأولى داخل السجن»
داخل السجن تفرض فاطمة أقبيش، مديرة سجن «تولال»، نظاما خاصا على السجينات، مثل إلزامهن بارتداء ملابس محتشمة عند الزيارات وغير ذلك.
تقول مديرة سجن النساء في حديثها مع «الأخبار»، إن النساء أكثر انضباطا من الرجال، سيما أن عددهن قليل لا يتجاوز 2 في المائة على الصعيد الوطني، ويصل عدد السجينات بـ«تولال 3» إلى 91 نزيلة، من بينهن ثماني قاصرات وثلاث مسنات.
هذا وتشير مديرة السجن إلى أن هناك سجينة مسنة متهمة بقتل رضيع، تعاني من الخرف، حيث تحتاج إلى عناية خاصة، ملتمسة إيداعها دارا للمسنين.
وفي ما يتعلق بالسجينات المتهمات بالشذوذ الجنسي، أكدت مديرة سجن «تولال 3»،أنها تقوم بإيداعهن داخل زنزانة خاصة بنساء مسنات، لكن تحت مراقبة مشددة لتصرفاتهن، تفاديا لوقوع أي مشكل.
وتحكي المتحدثة ذاتها أن الحالة الوحيدة التي تم اعتقالها بتهمة الاعتداء الجنسي، كانت تنتمي إلى أسرة معروفة بمكناس، هذه الأخيرة كانت ترفض الكشف عن هويتها، إذ ظلت منطوية على نفسها طيلة مدة اعتقالها.
وزادت مديرة السجن، أن معظم السجينات اللواتي يقبعن وراء القضبان، متهمات في قضايا الفساد والدعارة.
وتحدثت المديرة أيضا عن المراقبة المشددة أثناء الزيارات، وما تحتويه «القفة» من مواد، إذ يتم تفتيش النساء من قبل موظفات عن طريق خلع ملابسهن بالكامل، وذلك قصد محاربة تهريب المخدرات، حسب تصريحها.
وكشفت فاطمة أقبيش عن ضبط بعض حالات التهريب، حيث عمدت بعض النساء إلى إخفاء المخدرات تحت الإبط وغير دلك من وسائل التهريب، وكذا قنينات زجاجية داخل التبان، بالإضافة إلى دس المخدرات وسط البيض، مما جعل إدارة السجن تحتفظ بالبيض وتراقب السجينات عند فقصه أمام أعين الموظفات.
الكاتب : | هيئة التحرير |
المصدر : | الأخبار |
التاريخ : | 2014-06-27 17:51:44 |