آخر الأحداث والمستجدات
موسم محاربة الأمية ودستوريته
منذ الحقبة الأولى من استقلال المغرب تم العمل ببرنامج محاربة الأمية ، فالغاية الفضلى منه يراد منها الانتقال من حالة عدم التهجي للحروف والكلمات ، الى حالة امتلاك كفاية نقل رسم الحروف واستيعاب دلالاتها اللغوية و حمولتها المعرفية . هذه العملية انخرطت فيها الدولة المغربية بكل طاقاتها المتوفرة لإشعال نهضة وطنية تتخطى الكفاف المعرفي / الثقافي السائد وسط الأوساط الشعبية . وحتى نتبين مغزى المصطلح ، فلا بد من تأصيل للعملية بالبحث عن بعض أوجه التشابه أو التباين بين مصطلح الأمية ومفهوم الجهل .
فهل الأمية هي مرادف للجهل أم أن الجهل أعم والأمية لا تستوعب روافده كلية ؟
فبيان القول أن محو الأمية هي صيغة ادارية يراد منها في المغرب نقل فئة من حالة الصفر في معرفة القراءة والكتابة ، الى حالة القدرة على القراءة ونقل رسم الكلمات الى تصورات معرفية ذات دلالة وظيفية ادماجية ،أما الجهل فهو الحد الأقصى من الشرود الاجتماعي حيث أن صاحبه لا يمتلك صفة التصنيف ضمن المنظومة البشرية الحديثة ،لأنه يفتقد الى البنيات التفكيرية القادرة على الانخراط ضمن الكتلة الاجتماعية والانصهار الطوعي بين أفرادها ، فهو اذا كفيف العقل في العمليات التفكيرية ، متعصب المشاعر في المواقف الحوارية / الجدالية ،ويمكن ان نقول عنه "حيوان غير مدجن "،ولهذا أرى أن الفرد الأمي أرحم بكثير من الجاهل .
فالأمي يمكن ان يمتلك الحس الاجتماعي ، والوعي المبسط بالعوامل السببية ، فضلا عن مجموعة من الخبرات والتمثلات والمهارات الكفيلة بفك شفرات ورموز عدة اشكاليات ومواقف حياتية في حدودها البسيطة ...
وليكن ، فركوب الدولة نحو بناء صيغة مهيكلة اداريا لمحو الامية هو عملية يراد منها تحقيق نقلة نوعية تصنيفية تضمن الالتحاق بقائمة الدول العالمية الممتلكة لكفايات القراءة والكتابة وتسويق العملية بايجابياتها خارجيا ،لكن هذا المنحى ومنذ الاشتغال به لم نستطع تحقيق الأهداف الأولية الممعيرة له مسبقا لعدة اسباب من بينها:
-الافتقار الى خطة وطنية جامعة ، قوامها معايير ومواصفات المواطن المغربي المراد تعليمه او محاربة الامية عنده ،
-الاشتغال بمنطق الانية واللحظية المراد تسويقها كصورة نمطية لمحاربة الامية،
-تداخل المتدخلين وازدواجية القرارات في هذا المجال (وزارة التربية الوطنية / وزارة الثقافة/ وزارة الاوقاف،باختلاف التسميات عند كل حكومة معينة)، ثم جمعيات المجتمع المدني المشتغلة في هذا المجال...
*جعل عملية محاربة الامية مهنة لكل المشرفين عليها وطنيا، في حين كان لزاما علينا اعتبارها مسلكا للتنمية البشرية المستدامة وطنيا،
*الهدر الدراسي القوي ، وثقل كفة النكوص نحو الامية سنويا من طرف المتسربين دراسيا ،
اذا و العملية لم تستطع مبارحة مكانها بازدياد المتسربين من المستويات الاولى من التعليم العمومي الرسمي ،ونكوص البعض منهم نحو الامية كما سلف ذكره . انه مكمن الخلل في اتباع مسلك محو الامية مادامت مدخلاته تتسع عمقا وحجما ،ومخرجاته تضيق لعدة اكراهات ومعيقات ليس لها حدود و لا نهاية . هنا نلح على وجوبية وقفة تأملية او اكثر من ذلك ، وقفة يراد منها تعداد المؤشرات المحققة من عملية محو الأمية بالمغرب ولو لعقد زمني واحد ، فالأرقام الوطنية المصرح بها منذ الاستقلال – في مجال محاربة الامية - لو قمنا بعملية تجميعية لها لغطت في رقمها النهائي حد سكان المغرب في اخر احصاء عام .
اذن ما الجدوى من العملية ونحن لازلنا لم نجفف حتى ثلث مستنقع الامية ان لم نقل بتوسع طاقة استيعابه بإضافات المتسربين والمفصولين اليه كرها !.
هل ننتظر من القدر المتمثل في الموت المحتوم لكل أمي بأن يخلصنا من أعداد الأميين " الشيوخ" ونعلن خلاصنا البتة منها !؟
وحري بنا في هذا المجال ان نتطلع على رأي الدستور المغربي في عملية محو الأمية ، فحملات محاربة الأمية منذ دستور 2011 تتعارض كليا مع منطوق وفحوى فصول دستور المملكة المغربية ففي الفصل الخامس ينص على " تعدالأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء.يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية. "
لذا لم لا نعطي للمواطن سلطة الاختيار بين ان نحارب معه الأبجدية العربية او تيفناغ الأمازيغية !؟، او نعمل على خلق جدع لمحاربة الأمية الامازيغة بموازات مع اللغة العربية !؟ ام ان العملية برمتها لا تعدو ان تكون رقصة موسمية يتم انجازها وبنهايتها ينفض الحضور بتقديم شواهد تقديرية ...
لا نبخس المشتغلين في مجال محاربة الأمية تحركهم المتواصل في سبيل تقزيم أعداد الأميين ، لا ننقص من الجهود المبذولة على الصعيد الوطني أو الجهوي أو المحلي ،لكننا نلقي بالعيب بعدم تحقيق أي طفرة نوعية بينة ، تنقلنا من التخطيط اللحظي الى خطة وطنية استراتيجية متجددة حسب المستجدات الظرفية ، خطة تكفل نقلنا كلية من اعتبار المنخرط في منظومة محاربة الأمية أو التربية غير النظامية رقما عدديا فقط ، بل انسانا يستوجب منا العناية الأخلاقية.
ان اعادة صياغة ميثاق وطني في مجال محاربة الأمية بناء على أجرأة مفعلة تهم تنزيل فصول دستور المملكة له الحل الأمثل لكل القطاعات الحكومية. حتى تغدو كل عملية متأصلة دستوريا وتشريعيا، ولا تستلزم أية تسويغ أو زوغ عن أسمى قانون وطني . وحتى نكون عادلين أمام كل المكونات الاجتماعية والثقافية للشعب المغربي.
الكاتب : | محسن الاكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2013-10-27 14:52:30 |