آخر الأحداث والمستجدات
قراءة في قانون المالية 2025
الحاج ساسيوي – أستاذ التعليم العالي
باحث في التخطيط الاستراتيجي
إطاره وسياقه
يأتي تبني الحكومة لقانون المالية برسم السنة المالية 2025، في إطار سياقين (دولي ووطني) لهما الكثير من الخصوصيات. فالواضح أن الوضع العالمي اليوم يتميز بالتأزم، وغلبة اللايقين في إطار جيوسياسي ومناخي واقتصادي متأزم؛ حيث الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، والتي وصلت إلى حد الإبادة الجماعية، أمام صمت عالمي رهيب؛ بل إن الكثير من الدول تساند هذا العدوان الصهيوني الهمجي. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تمدد الصراع إلى دول أخرى، فيما سمي ب"محور المقاومة" و"وحدة الساحات" في كل من لبنان واليمن والعراق وإيران. ومما زاد من هذا الـتأزم الحرب المستمرة بين روسيا وأكرانيا، وتداعياتها الاقتصادية على كل بلاد العالم، ومن ضمنها المغرب؛ دون أن ننسى الأحداث الأخيرة التي عرفتها سوريا والتي كان عنوانها سقوط نظام الأسد وتسنم المعارضة مقاليد السلطة؛ وأخيرا انتخاب ترامب لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وأما على على المستوى الوطني؛ فالاقتصادي يتسم بالتراجع الأقرب إلى الركود، حيث وتيرة النمو تتراوح بين 2 و3,5 /، وهذا لايكفي؛ فالمطلوب حسب الدراسات المختصة هو أن يتراوح مابين 7/ و8/. ولعل السبب الرئيس يكمن في الجفاف الذي أصبح بنيويا. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة تتبنى خطابا طموحا يستهدف بناء الدولة الاجتماعية.
توجهاته
تتوزع إلى أربعة:
أولا- مواصلة تعزيز أسس الدولة الاجتماعية؛
ثانيا- توطيد دينامية الاستثمار والتشغيل؛
ثالثا- مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية (إصلاح الإدارة، وإصلاح العدالة، والإصلاح الرقمي،... )؛
الرابع- الحفاظ على الاستدامة المالية الذي يعني الحفاظ على التوازنات الماكروإقتصادية، والحفاظ على مستوى العجز في مستوى معين.
أهدافه وفرضياته
هناك هدفين انبثقا عن هذه التوجهات:
أولا- أن يبقى النمو في حدود 4,6؛
ثانيا- ضرورة بقاء العجز في حدود 3,5 من الناتج الداخلي الخام.
وتجدر الملاحظة هنا إلى أن المحصول الزراعي هو المتحكم والمحدد في الاقتصاد المغربي، والذي بقي هذه السنة في حدود 70 مليون قنطار. فالفرضية الأولى إذن هو أن تكون السنة ممطرة. وبما أن سعر البوطان مستورد، فمن الواجب ألا يتعدى 500 دولار للطن.
مضمونه كأي ميزانية هناك مداخيل وكذا نفقات:
فالمداخيل تتوزع إلى مداخيل عادية، هي بالأساس جبائية وتحتل 90/ من المجموع ؛ وأخرى غير عادية، عبارة عن عائدات للدولة( بيع ممتلكات الدولة، كراء، إعانات دولية،...). وبناء على ذلك، فمجموع المداخيل المحتملة لسنة 2025 هي 369 مليار درهم فيها 330 مليار مداخيل جبائية؛ وأخرى غير جبائية تصل إلى 39 مليار درهم.
وبناء على ذلك فنفقات سنة 2025، فمن المحتمل أن تصل إلى 557 مليار درهم، تنقسم إلى: نفقات للتسيير (321 مليار درهم)؛ ونفقات للاستثمار( 129 مليار درهم)؛ ونفقات لخدمة الدين المتراكم ( 107 مليار درهم).
وتأسيسا على ماسبق، وبناء على خصم النفقات الشمولية من المداخيل، فإن الحكومة ستكون أمام معضلة "الحاجة إلى التمويل"، والذي يساوي 188 مليار درهم، أي ما يشكل نسبة 11/ من الناتج الداخلي الخام؛ وهي بمثابة العجز الحقيقي وليس 64 مليار درهم (مابين3,5/ و4/ من الناتج الداخلي الخام) ؛ والتي يجب على الحكومة تمويلها من المديونية الجديدة؛ وللإنتقال من 3,5 إلى 11/ يبقى الحل هو المديونية الداخلية والخارجية، والتي ستصل إلى 125 مليار درهم؛ وهذه الإشكالية لها جذور في الماضي مع تعاقب الحكومات السابقة.
تتوزع النفقات (557 مليار درهم) على الشكل التالي: نفقات التسيير التي تصل إلى 321 مليار درهم بنسبة تعادل 58/ ؛ ومن ضمنها الأجور ب 180 مليار درهم؛ وكذا نفقات ترتبط بالمعدات والنفقات المختلفة، والتي ترتفع بشكل مخبئ، وتصل إلى 80 مليار درهم؛ والنفقات المشتركة التي تساوي 48 مليار درهم، وتتمثل في الدعم بمختلف أصنافه( دعم المقاولات، والإعانة الاجتماعية، والمقاصة، والدعم المباشر،وكذا دعم المؤسسات العمومية، والتي هي في عجز مستمر كالمكتب الوطني للسكك الحديدية، والماء والكهرباء،.... ).
وأما الاستثمار فسيصل هذه السنة إلى مامجموعه 340 مليار درهم؛ يتوزع على الشكل التالي: 121 مليار في الخزينة العامة؛ و 138 مليار درهم للمؤسسات العمومية؛ و 45 مليار درهم لصندوق محمد السادس؛ وكذلك استثمارات الجماعات الترابية؛ وصندوق زلزال الحوز.
وبالرجوع إلى توزيع الاستثمار حسب الوزارات؛ فالملاحظ أنه يتمركز في بعض الوزارات دون غيرها؛ من قبيل نفقات التسيير والاستثمار في التعليم التي تساوي 23/؛والاقتصاد والمالية بنسبة 24/ (107مليون درهم)؛والدفاع الوطني بنسبة تعادل 13/ ( 59مليون درهم)؛والداخلية بنسبة 10/ ( 45 مليون درهم). وبالتالي فإن هذه الوزارات الأربع تتمركز بها 70/ من النفقات الشمولية (التسيير والاستثمار). مع ملاحظة أن وزارة الصحة بدأت تأخذ حصة لابأس بها تعادل 7/ (33 مليون درهم). وبالمحصلة، فخمس وزارات إذن، تتمركز بها 77/ من النفقات العمومية.
والملاحظ كذلك أن التشغيل لم يسلم من التمركز، فالمناصب المحدثة بالنسبة لهذا القانون المالي هي( 28406 منصب شغل) ستتوزع على الشكل التالي:؛ الداخلية ب 7744 منصب بنسبة 27/؛والدفاع الوطني ب 5792 منصب بنسبة 20/؛ مما يعني 47/ لوزارتين ذات طابع أمني. وإذا أضفنا الصحة 6500 منصب شغل بسبة 23/ . والاقتصاد والمالية 2600 منصب.فإن هذه المرافق الخمس مجتمعة تصل إلى 86/ بإضافة التعليم العالي. في حين يتوزع الباقي على أربعين (40) مرفقا حكوميا أو غير حكومي المدرجة في الميزانية العامة.
أما بخصوص المديونة العامة فالحكومة ستقترض من أجل سداد الديون، وليس من أجل الاستثمار؛ ف99/ منها من أجل السداد. وفي هذه السنة( 2025) تتطلب خدمة الدين 107 مليار درهم ، من ضمنها 45 مليون درهم للفوائد والعمولات، و62 مليون درهم للاستهلاك؛ ولتغطية هذه الخدمة لابد من اقتراض 125 مليون درهم. مما يجعل الحكومة في دوامة المديونية.
وبالجملة، فخدمة الدين(107 مليون درهم) تشكل نسبة 27/ من المداخيل العامة. و32/ من مداخيل الميزانية يسدد به الدين السابق.
المداخيل الجبائية
في هذا الصدد، نلاحظ أن الضريبة على القيمة المضافة كأهم ضريبة للدخل كانت في حدود 30/، لكن في هذه السنة سترتفع إلى 32/. وهذه الضريبة تمول ميزانيات الجماعات الترابية المحلية والإقليمية. و5/ من الضريبة على الدخل وعلى الشركات تمول ميزانيات الجهات. إذن إذا جمعنا الاثنين، سيكون المبلغ هو 390 مليون درهم من مجموع المداخيل الجبائية المرتقبة لسنة 2025. وهي حسب التصنيف المعروف: ضرائب مباشرة، وهي الضرائب على الشركات والضريبة على الدخل(150 مليون درهم)، أي مايشكل 38/ من المداخيل؛ وأخرى غير مباشرة، وتأتي في مقدمتها الضريبة على القيمة المضافة، والتي ستصل لوحدها إلى 160 مليون درهم؛ إلى جانب ضرائب أخرى غير المباشرة (الجمارك، ومواد نفطية، والتسجيل والتنبر
و التبغ،...)، والتي ستشكل نسبة 62/ من المداخيل، أي مامجموعه 240 مليون درهم. وبالتالي،فإن النظام الضريبي يقوم على ضرائب مباشرة بنسبة 40/. وضرائب غير مباشرة بنسبة 60/.
مؤشر الاكتفاء الذاتي الجبائي
بالرجوع إلى المداخيل الجبائية المضمنة في الميزانية، وكذا النسبة التي ستمكن من تمويل النفقات الشمولية ( التسيير، والدين، والاستثمار)؛ فإن الحكومة من خلال ميزانية 2025، سيكون لديها مامجموعه 330 مليون درهم في الخزينة مترتبة على الضرائب؛ في حين ستصل النفقات الشمولية إلى 557 مليون درهم؛ أي أن التمويل الذاتي الرئيس هو النظام الضريبي، والذي يشكل معدل 59/. مما يعني الحاجة إلى المديونية؛ وحتى بإضافة ضرائب أخرى فإن النسبة لاتتعدى 65/. بمعنى أن 35/ لايغطى إلا بالمديونية.
الإجراءات الجبائية
تجدر الإشارة إلى أنها غير متعددة في قانون المالية لسنة 2025؛ وتتمثل في:
+ حقوق جمركية: إذ ساد الإعفاء مواد تم إدخالها ضمن النظام الضريبي، وهي استيراد اللحوم الحمراء وزيت الزيتون.
+ الإصلاح الضريبي: سيهم هذه السنة (2025) بالأساس إصلاح الضريبة على الدخل؛ فمنذ 2020 انطلق مسلسل إصلاح بدأ بالضريبة على الشركات، ثم في السنوات الموالية إصلاح الضريبة على القيمة المضافة.
ختاما، بما أننا نتحدث عن إصلاح، فالأكيد وجود بعض الأعطاب، يمكننا تلخيصها في مسألتين : أولا؛ على صعيد الوعاء، أن الضريبة غير مجمعة وغير موحدة؛ و تركز على ضرائب العمل وتهمل ضرائب رأس المال. ثانيا؛ على صعيد الأسعار الضريبية فهي غير مجمعة ومشتتة كذلك، إذ الواجب أن نفس الدخل يؤدي نفس الضريبة، وهو الغائب في نظامنا الضريبي. لأجل ذلك وجب رفع هذا الحيف عن الأجراء. وهو الغائب في قانون المالية 2025. وعلى الرغم من أن الضرائب تصاعدية إلا أنها يتم تطبيقها على ذوي الدخل الأدنى والمتوسط وتنخفض على الدخل المرتفع. وحتى تتحقق الدولة الاجتماعية لابد أن يتضمن الإصلاح ركيزتين أساسي
تين، هما: التجميع وتوحيد الأسعار.
الكاتب : | الحاج ساسيوي |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2025-01-20 14:34:35 |