آخر الأحداث والمستجدات 

فسحة من صيف : لالة عيشة أميرة جنيات الأرض السفلية بسيدي علي بن حمدوش

فسحة من صيف : لالة عيشة أميرة جنيات الأرض السفلية بسيدي علي بن حمدوش

ينتهي موسم الشيخ الكامل بمتم سبع ليال طوال ملاح، وبعد أن تُقْضى النيات والأماني، بعدها يُشَدُّ الرحال نحو سيدي علي بن حمدوش ما بين (17 و18 من ربيع الأول من كل سنة هجرية). تقع قرية الأحجيات الجنية على يمين مفترق الطريق المؤدية إلى مدينة زرهون. إنها دائرة قيادة المغاصيين أحواز مكناس، والتي على بعد (15 كلم) تقريبا. قرية من البساطة في التركيبة البشرية، ومن طيبة ساكنة أهل جبل بدايات مقدمة الريف.

منطقة يسكنها أُناس يمتهنون حرفا متنوعة ترتبط بالأرض وذات مداخيل بئيسة، وأخرى من محصول الزيارات المتقطعة وانعقاد الموسم السنوي الكبير لسيدي علي بن حمدوش. تبدوا القبة الخضراء للولي الصالح من بعيد، وأنت تنزل الأدراج والدروب المتعرجة. رجال الدرك الملكي حاضرون، ولا تخفى عنهم أي صغيرة أو كبيرة، وعيونهم تماثل (سكانير/ Scanner)، تتفحص الزوار من البداية إلى غاية ترك المنطقة في أمن وأمان.

 

حتى (مول الجيلي الأصفر) قد يَعْرضُ عليك خدماته، بلازمة (اطلب التسليم للجواد)، واش هاذي أول مرة تَاتْجِي لسيدي علي؟ حين سألته من هُمْ لَجْوَادْ؟ ابتسم وأشار باتجاه (الحَفْرَة والكَرْمَة)، وقال: (لالة عيشة) أميرة حفرة الأرض السفلية (مولات الويدان) !! اليوم سَأُحْضِرٌكٌمْ معي بِلطف لِمُشاهد طقوس اجتماعية (قديمة في العُرف) بالمنطقة، ولا أؤمن بها بتاتا. كان جوابي بعدها على حارس السيارات: الله يبلغ المقصود والمراد، ومُولْ النية يَرْبَحْ !!

 

سوق مصغر من دكاكين سيدي علي تحتله الأثواب الخضراء والحمراء والصفراء والصوفية...، روائح الأبخرة تسكن المكان، والتي قد تُحْدثُ الحساسية في التنفس، والتنبيه النفسي بأنك في مملكة جن وجنيات الأرض السفلية. وصلت بوابة حضرة السيد دفين الضريح ذي القبة الخضراء البسيطة، تَفحصني (المقدم) مليا، وكاد أن يوصيني بترك هاتفي قبل تيمن الدخول، وحين أمددته ورقة مالية خضراء، زاد ترحيبه والدعاء لي بُكرة وعشية !! أدخنة الشموع المستهلكة بكثرة في زوايا الضريح، تزين حائط مدفن سيدي علي بتموجات ورسومات سيميائية تصنع (الخَلْعَةِ)، أما صندوق العطايا والهدايا (الشمع والحلاوة) فعليه سيدة مكتنزة الجسم لا تنظر إليك غير ما بيدك !!

سيدي علي تسكنه سيدة المستنقعات (لالة عيشة)، وهي الجنية الأكثر شعبية عند المغاربة بعد (شمهروش) ملك الجان والجنيات، و(بَرْنُوخْ) و (عَاقِصَة)من أسطورة قصة سيف ذي يزان.

 

كانت الجنية (لالة عيشة) ذكية حين اختارت إقامة القرب من الولي سيدي علي، وسكنت الحفرة السفلية المنيعة، واستغلت شجرة التين (الكرمة) لزيادة الهبة والأُبهة المُخيفة، وبعث الفزع عند المريدين والمريدات، وقد تماثل (الكرمة) ذاك فضاء العيادة الرحب، والأذن الصاغية لتلقي الشكاوي والآهات. فالدم يسيل عند قدم (الكرمة) التاريخية بالكرامة !! كل الأماني في الحُفرة تبيت حرة ومتنفسا للنفوس الضامرة، والبكاء والتمرغ في طين مبتل بالحناء، والاندماج مع موسيقى الجن المرئي الخادم الأمين للجن اللامرئي. قضاء (المراد) يتبعه (تعاقد) عرفي مع (لالة عشية)، بالعهد والوفاء للمكان، والمداومة على الإتيان بالعطايا الملاح السمان.

 

طقوس معينة بالنمطية، وأخرى مُكتسبة بالعرف التداولي عند الزوار الأوفياء، تتم بجانب (الكرمة ) والتي مرات عديدة تلتحف ألوان ملابس الطيف الدخيلة على عادات المكان والساكنة!! يتم النزول نحو (الحفرة) بمقبلات الزيارة (ماء الزهر/ الشمع/ الحناء/ الحلاوة/ البخور/ الثوب الأبيض/ البيض/ الذبيحة...) وتحت نغمات الليلة العيساوية والحمدوشية والكناوية. وفي (العين الكبيرة)، يتم الاغتسال والتطهر والتخلص من النحس والحظ العاثر (التَّابْعَة)... ويتم رمي بعض الملابس الداخلية (النسائية) برمزية رمي (التَّابْعَة) والعكس المداوم!!

 

حين أحكي لكم عن عادات لازالت حاضرة وتمارس بسيدي علي، فإني أُمارس الوصف فقط، ولا اعتقاد لي بهذه الخرافات والشعوذة، ولا أقبل ممن قد يَتَزايدُ علينا بنظرة المعيارية في هذا الشأن، فإني أعلم علم اليقين بالحلال والحرام. فالنظرة السوسيولوجية حاضرة في وجدان الساكنة (الإنسان والطبيعة)، أو من يُدمن على حضور المواسم بِكُليتهَا. فالبُعد الاجتماعي بالمكان وخاصة بجغرافية (الحفرة) و(الكرمة) يبين الارتباط بذاك القربان الدموي والطبيعي في خلاف الاقتتال بين أبناء آدم قابيل وهابيل. في حين المكان لم يَزُرْهُ ذاك الغراب الذي علَّمَ القاتل كيف يواري سوءة أخيه!!

 

بِحق بَيْنَ الغيبيات (الجن والجنيات) والشعوذة تعيش قرية سيدي علي أزمة تدبير العقل البنيوي في محاصرة الظواهر غير المنطقية. يعيش العقل الفَرَّ بين منطقة مهمشة وموردها السنوي يأتي من أنشطة الموسم (البدائية) والزيارات المتقطعة. يعيش العقل بين الدعوات الفضفاضة (سدوا سيدي علي بن حمدوش) !! فكيف يمكن إسماع صوت العقل لأشخاص لا يعرفون قيمته ولا لغته البديلة؟ نعم (سدوا سيدي علي !!) دعوة سليمة معيارية لا معارضة عليها!! ولكن، قبل (سدوا) الخرافة بسيدي علي كأمر وقرار اجتماعي وسياسي، يجب أن يتدخل مال الدولة العام ويصنع الكرامة لساكنة قيادة المغاصيين ومن جاورهم في العلاقة والارتباط. أن تتدخل الدولة وتصنع سياسة التمكين والتنمية البشرية المستديمة بالعدل والمساواة، حينها نقول: لا بد من إتلاف (الحفرة) بالردم، وقطع (الكرمة) من الجذور، وحرق كل شموع الشعوذة.

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : محسن الأكرمين
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2023-07-09 13:54:25

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك