آخر الأحداث والمستجدات
ذكريات مدرستي الحلوة الجبابرة بحي الزيتون
مهما كانت ذكريات المدرسة التي انطلق مسار دراستك منها، تكون عندك برمز نشيد "مدرستي الحلوة" غناء. مدرسة الجبابرة نسبة إلى تسمية الحي (الجبابرة/ المعاركة). كانت بناية حديثة، ولا تماثل البنايات العتيقة التي تتواجد بحي الزيتون. مدرسة استقبلت أطفال الحي بعمق ومتسع الدائرة ، وروافد الأحياء.
"استيقظت بكرة فوجدت أمي (رحمها الله) قد هيأت لي وجبة الفطور"، ما أجمل تعابير النصوص القرائية للراحل أحمد بوكماخ. نعم، في ذلك اليوم من فاتح أكتوبر، حملت ورقة صغيرة زرقاء اللون من غلاف (قالب سكر النمر)، وتحمل طابع كتاب الجامع الأبيض، ذاك المسجد العتيق الذي بات فعل التغييرات الحديثة لا يحمل تلك الطاقة التاريخية !!! كان الجميع على موعد الدخول الكبير نحو عالم جديد من المستحيلات. لم يرافقني إلى المدرسة أحد من عائلتي، تحمست وأخذت مبادرة المسؤولية، ولبست تلك البذلة الرمادية الجديدة التي أعدتها أمي (رحمة الله عليها) لذاك اليوم المشهود. إنه بحق يوم الثقة في المستقبل، وصناعة التغيير الحقيقي. في الطريق تم تكوين مجموعة ممن لا عهد لهم بالمدرسة من أطفال درب بوقطيب وازعير، عند وصولنا وجدنا صفا طويلا بقيادة حارس المدرسة (أبا محمد) رحمه الله. على اليمين كان صف التلاميذ الجدد (مثنى مثنى). كانت خطواتنا الأولى بداية ربح رهان سباق الماراطون في عالم التربية و التعليم !!!
كانت ساحة مدرسة الجبابرة تبدو لدينا كبيرة المساحة، وأنيقة ونحن صغار السن. اليوم عندما ألج المؤسسة، أستشعر التغيير الذي طرأ عليها (الثانوية التاهيلية ابن الرومي)، وباتت الساحة صغيرة ومحدودة، وكأني ضاقت عندي جوانب حساب المساحة في حكم الرياضيات. بدأ الفرز والتصنيف، ونحن بداخل المؤسسة صامتين ومتخوفين. بدأ تسجيل الأسماء من طرف المعلم سي المريقي (أطال الله في عمره). وعلى ما أذكر فقد استغرق معي ربع ساعة لكي يوثق نسبي، وأنا الذي كنت أخلط النطق الترابطي بين (الهمزة/ كحرف شديد/ أقصى الحلق/ مجهورة) وحرف (الكاف/ الذي يخرج من أقصى اللسان/ مهموس). ومن حسن الصدف فلا زال معلمي في القسم التحضيري سي المريقي يذكرني بها، وهو يبتسم ابتسامة ترجعني استحضارا، وأنا أقبل رأسه دوما عرفانا له.
في القسم كنا نفوق (54) تلميذا وتلميذة. كنا نكون شعبا من الشغب، والمنافسة والتدافع بين الأحياء. كنا نكون أمة تتوحد بالمعرفة، وتتقاسم حروف الأبجدية الجديدة. كان الجيل الأول من المعلمين والمعلمات من الرعيل الأول لمثقفي زمن الاستقلال، ويحملون طفرة الوطنية الكبرى ناضجة. كان بحق جيلا من الأطر الوطنية يمتلكون القيم الفضلى، وحسن التطوع لإنقاذ أبناء الشعب من الأمية الأبجدية، وبناء الوعي، وتعلم طرح السؤال. أتذكر مجموعة من المعلمين منهم من قضى نحبه، ونترحم عليهم جميعا، ومنهم من ألتقي بهم وأقبل أيديهم، وأقف احتراما لهم (ن). كانت مدرسة الجبابرة تضم نخبة من المعلمين والمعلمات كانوا (قاصحين معنا، ولكن كانوا يحبوننا كثيرا، لأجل صناعة الترقي الاجتماعي). أذكر سي الحسني الفقيه العارف بالله أطال الله في عمره. أذكر سي المريقي والمعلمة تيسير الله. أذكر سي القاسمي والمعلمة نجاة. أذكر سي الهلالي. أذكر من تتلمذنا على أيديهم رحمة الله عليهم جميعا، سي البلغيتي، مولاي يوسف، سي الوداري، سي الجنان، المعلمة زينب، سي المهدي، سي الخالدي، سي الضحاك، سي الزويتة، سي أغربي، وغيرهم من المعلمين والمعلمات الذين كان لهم الفضل الكبير في تغيير مسارات حياة أجيال من أبناء وبنات حي الزيتون.
كان المدير سي بن ميلود رحمه الله، اتحادي المبادئ صعب العزيمة لا يقهر. كان بلباسه العصري أو التقليدي يمثل الوقار، والعمل الجاد. كان رحمه الله رمزا لنا وحلم مشروعنا الشخصي. كان الحارس (أبا محمد) بصوته القوي قادر على إسكاتنا جميعا، ونحن في ساحة الشغب نلعب ونلهو. كان يناولنا حصصا يومية من المطعم المدرسي، بلذة تجد من مرَّ بمدرسة الجبابرة يذكرها، كان كذلك مكلفا بالحبر(المداد والمحبرة).
كانت بحق المدرسة متكاملة الموارد البشرية والبنيات التحتية، كان معلم الفلاحة يمارس التربية البيئية في بستان المدرسة (الحياة المدرسية والمهارات الحياتية بحق). كان معلم الأشغال اليدوية، والتربية الفنية يحتضننا في قسم أنشطة (الفن والمسرح). كان الممرض (سي حميد) ملحقا بالمدرسة، ومكلفا بالصحة المدرسية. كانت أيام عيد العرش (03مارس) تمرُّ باحتفالية كبيرة، وأقواس النصر من نخلة المرحوم (الشريف الهواري حميد).
هي الأيام الخوالي القريبة، التي إذا ما قارنا ممراتها نجد أن في مدارسنا اليوم نعيش إخفاقا، وارتعاشا في تصورات الإصلاح. نعيش انتكاسات الإصلاحات المتوالية، دون أن نحقق أية نهضة تربوية مستديمة !!! هي ذكريات من مدرسة الجبابرة بحي الزيتون التي آمنت حينها بمقاربة النوع بداية، قبل أن تُقسم إلى مدرسة الذكور (الجبابرة)، و أخرى للإناث (سكينة بنت الحسين). هي مدرسة التاريخ غير المنسي التي تحولت بقدرة السميع العليم إلى (الثانوية التأهيلية ابن الرومي) !!!
(حلقات رمضانية عن حي الزيتون)
الكاتب : | محسن الأكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2022-04-14 19:05:49 |