آخر الأحداث والمستجدات
شرطة مواطنة
جميعنا تابعنا بفخر واعتزاز التدخل الأمني الذي قام به أحد أبناء المدينة القديمة والشرطي البشوش المحبوب من الجميع لإيقاف أحد المشرملين والذي كان مسلحا ب "مسطرة" (سكين من الحجم الكبير) مهددا حياة المارة وسلامتهم الجسدية وسط قبة السوق المكتظ . كان بإمكان الشرطي ، بما أنه خارج أوقات العمل، أن يتجاهل الحدث أو أن يتصل بإدارته للتبليغ عنه في أحسن الأحوال، لكنه تصرف بغيرته المواطناتية والتي ، كما نعرفه، كانت ستحركه حتى لو لم يكن شرطيا، وفضل حسم الموقف مع ما يشكله من خطر على سلامته البدنية حماية للمواطنات والمواطنين واحتراما لشرف المهنة ونبلها .
الحدث الموثق بفيديو كاميرا مراقبة لأحد التجار، ليس الأول سواء بالمدينة أو بباقي ربوع الوطن ولن يكون الأخير ، فالتدخلات البطولية لرجال الشرطة جزء من روتينهم المهني اليومي ، وقد عاينا بعضها ونحن صغارا بأحياء المدينة القديمة وغيرها لكنها لم توثق لتصل للجميع كما هو الحال اليوم ، فالشرطة القضائية المختصة في مواجهة الجريمة لطالما مثلث خط المواجهة الأول مع اللصوص وتجار المخدرات والمنحرفين والمدمنين ولطالما تصدت لمهمتها كما يجب بالرغم من الصعوبات العملية والنقص في الإمكانيات المادية والبشرية .
وظيفة الأمن ، كباقي الوظائف العمومية طبعا، ستجد بها من يشتغل بضمير مواطناتي والصادق والمهني والنزيه كما ستصطدم بالفاسد والمرتشي والغشاش والفاشل وعديم الكفاءة . صحيح أن إدارة الأمن الوطني قامت بمجهودات محترمة في السنوات الأخيرة على واجهتي تحسين الظروف المادية والمهنية لموظفيها الذين عانوا كثيرا فيما مضى من ضعف الأجور والتعويضات عن الخطر والمهام وتأخر الترقيات وتعويضات التنقل بالإضافة لغياب شبه تام للجانب الاجتماعي لديهم مما كان يضعهم أمام ضغط نفسي مضاعف مهني ومادي وأسري . كما تم العمل على ترميم صورة إدارة الأمن لدى المواطن المغربي والتي شوهتها تراكمات سنين طويلة من التعسف والتسلط واستغلال الموقع، بإطلاق حملات تواصلية وترويجية وكذا تحسين جودة الخدمات ورقمنتها، ساعدها في ذلك وجود جيل جديد من موظفي الأمن بمختلف رتبهم ومواقعهم يقدمون صورة حديثة باحترامهم لكرامة المرتفقين والمواطنين . لكن كل ذلك لم يمنع من استمرار النقاش حول السياسة الأمنية ككل والتي تحتاج للكثير من التجويد والمواكبة للواقع المغربي وتحولاته وكذا الانسجام مع متطلبات المرحلة دوليا ومراعاة ماتفرضه من التزامات حقوقية أغلبها " قد وقر في النص وجب أن يصدقه العمل "، خاصة في حالات تناسب حجم القوة المستعملة في بعض التدخلات الأمنية مع حجم الخطر، والظروف التي تمر فيها الحراسة النظرية ، وكذا التعاطي الأمني مع أوامر فض الأشكال الاحتجاجية والتي ، أي الأوامر، حتى وإن كانت ذات طبيعة سياسية وليس أمنية ، فإن تنفيذها بمهنية وباحترام لمتطلبات الكرامة الإنسانية والتزامات المغرب الحقوقية يبقى مسؤولية مباشرة لإدارة الأمن وعناصرها .
ثم أن المنتوج الأمني، وفق مقاربات التدبير العمومي الحديثة، بدوره خاضع لمنطق العرض والطلب مما يفترض تجاوز منطق "الحملات" الأمنية التمشيطية المكثفة والمتقطعة والعمل على ضمان استمرار وسرعة الخدمة الأمنية وقربها ، وهنا نتساءل لماذا تم التخلي عن مراكز الديمومة التي كانت متواجدة بمداخل بعض الأحياء بالمدينة القديمة كباب بردعيين وباب جديد وباب الملحة والقنوط وغيرها والتي كانت تضمن سرعة التدخل وكذا توفر نوعا من الاطمئنان النفسي لدى ساكنة تلك الأحياء ليلا ونهارا .
هنا تستوجب الإشارة إلى الانطباع العام السائد لدى فئة غير صغيرة من الساكنة المكناسية بارتفاع منسوب الجريمة في الشهور الأخيرة وخاصة نتيجة تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية والاجتماعية والنفسية . وسواء كان هذا الانطباع مبنيا على وقائع معاشة أو حالة نفسية تتوسع مساحة تأثيرها بشكل متواصل، وسواء أكدتها المعطيات الإحصائية الرسمية أو نفتها فإنه يستوجب أخذها بعين الاعتبار والعمل على توسيع دائرة الفعل الأمني وتقريب خدماته أكثر بما يضمن الحد من الجريمة بكل أنواعها وبث الاطمئنان الأمني كشرط أساسي للاستقرار النفسي والعطاء المهني .
صحيح أن رجل الأمن مجرد حلقة ، وإن كانت مهمة جدا، ضمن سلسلة الحد من الجريمة، والتي تحتاج للتصدي لمعامل صناعتها من فقر وتهميش وإدمان وعطالة وغيرها ، والعناية بمعامل مواجهتها من مدرسة وأسرة ودور شباب وكل قنوات التنشئة الاجتماعية السليمة، لزرع قيم المواطنة وبالتالي لشرطة مواطنة مواكبة لها مثل تلك التي جسدها الشرطي الذي قام بالتدخل الذي أشرنا إليه وفي مختلف الحالات مهما صعبت والمواقع مهما كبرت .
الكاتب : | علي اجليلي |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2021-03-22 20:09:59 |