آخر الأحداث والمستجدات
التـّيـْئيسيون الجدُد
«الوضع في المغرب خطير، خطير جدا، والوضعية الاقتصادية تهدد بانهيار البلد؛ والحالة صعبة، صعبة جدا، وربما تصبح الوضعية، بعد بضعة أيام، ميئوسا منها بالكامل».
هذا الكلام لا يقوله معارضون جذريون للنظام، ولا يقوله أشخاص تيئيسيون أو من الذين عادة ما يتهمون بتيئسس الناس في أجمل بلد في العالم، بل يقوله أشخاص كانوا ولا يزالون محسوبين على «المخزن»، والذين كانوا في الماضي يمضغون ألسنتهم سبعة آلاف مرة قبل أن يقولوا ربع الكلام الذي يقولونه اليوم.
صلاح الدين مزوار، الزعيم الذي ظهر فجأة، كما لو أن الأمر يتعلق بإحدى روايات الخيال العلمي، يقول اليوم إن الوضعية في المغرب خطيرة، وهذا كلام خطير، لو قلناه -نحن الصحافيين- لعلقونا على جدار «الإعدام» وشرعوا في رشقنا بمختلف التهم، أكبرها التيئيس والعدمية وخدمة جهات مشبوهة.
مزوار كان هو المرتقب أن يكون وزيرا أول (وليس رئيس حكومة) قبل زمن الربيع العربي، وكان قد وضع يده في يد حزب «الأصالة والمعاصرة» لكي يقود الحكومة نحو التقدم والازدهار لولا هذا الربيع العربي المشؤوم الذي جعل الوضع في المغرب خطيرا وبشكل مفاجئ.
مزوار سياسي معارض، بمفهوم المعارضة في المغرب، لذلك قد يفهم البعض تشاؤمه المزمن وانتقاده لحكومة كان متوقعا أن يكون هو قائدها. لكن هناك وزير عضو في الحكومة الحالية، هو امحند العنصر، وزير الداخلية، يقول إن الوضعية الاقتصادية للمغرب صعبة للغاية، وإن مشاكل المغرب لن تـُحل بالكلام الفارغ. هكذا اكتشف العنصر، فجأة، أن حالة المغرب صعبة، وهو الذي لم ينطق بهذه الجملة طوال مسيرته السياسية والحزبية والحكومية الطويلة.
الرجل الآخر الذي يقول إن وضع المغرب خطير هو حميد شباط، زعيم حزب الاستقلال، الذي لم يعتبر يوما أن هذه البلاد يمكن أن تكون في خطر حتى عندما كان وضعها في أقصى درجات الخطورة. لكن اليوم، يرى شباط أن البلاد في خطر؛ ولم ينس، طبعا، أن يقول إن البلاد يجب أن توفر مناصب شغل لثلاثين ألف مجاز عاطل؛ والغريب أن هذا الرقم هو نفسه عدد الشباب من ضحايا فضيحة النجاة، وبطلها هو الزعيم السابق لحزب الاستقلال، عباس الفاسي، لكن شباط «شاف الربيع ما شاف الحافة».
مزوار أو شباط أو العنصر أو غيرهم من الذين يتزعمون حاليا تيار «التيئيسيين الجدد» عاشوا مرحلة الحسن الثاني، لكن لا أحد منهم تجرأ يوما على الاعتراف بأن البلاد في خطر، وأن الوضعية الاقتصادية للبلاد كارثية. وحتى عندما قال الحسن الثاني يوما إن المغرب على وشك الإصابة بالسكتة القلبية لم ينطق أحد.. كانوا يخافون، إن هم كرروا كلام الملك، أن يتم سجنهم بتهمة التيئيس أو بتهمة تقليد كلام الملك؛ فالحسن الثاني كان هو الوحيد الذي يمكن أن يسير ببلاده رأسا نحو السكتة القلبية، وهو الوحيد الذي يمكنه أن يعترف بذلك، أما الآخرون فكان عليهم أن يقولوا إن البلاد بألف خير ثم يركعوا للقطار الذي يركبه الملك.
اليوم، هناك منافسة على أن يقول الجميع إن المغرب مقبل على الانهيار، وإن الوضعية الاقتصادية خطيرة جدا. وقريبا، سيظهر من يولول ويلطم الخدود وينذر بأن المغرب سينهار، مع أن المغرب لم يكن يوما بخير، ووضعيته الاقتصادية الصعبة ولد بها كما يولد شخص وهو يحمل عاهة مستديمة، والذين خربوا هذه البلاد يعرفون أنفسهم جيدا ويعرفهم التيئيسيون الجدد الذين اكتشفنا، فجأة، أنهم يخافون على المغرب.
لكن إذا كان التيئيسيون الجدد يقولون، اليوم، هذا الكلام الخطير عن المغرب فذلك لأن جهات ما تطلب منهم ذلك، أو ربما ينسجم ذلك مع قناعاتهم الشخصية والحزبية، لذلك فإن الرجل الذي يمكن أن يكون الزعيم الحقيقي لكل التيئيسيين هو عبد الإله بنكيران نفسه، هذا الرجل الذي يقول إن الشعب هو الذي اختاره ليكون رئيس حكومة، وفي النهاية يتصرف وكأنه كبير الموظفين الذي يتلقى الأوامر من فوق ثم يعيد توزيعها على مرؤوسيه.
لا أحد يجادل في كون بنكيران رجلا طيبا ونزيها، لكنه يصلح أن يكون جارا في عمارة أو زميلا في العمل أو رفيقا في سفر، لكن أن يكون رئيس حكومة في زمن سمي «الربيع العربي» وفي بلد غارق في الفساد فهذا جانب آخر من الخيال السياسي.
الكاتب : | الدامون عبد الله |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2013-04-09 01:55:59 |