آخر الأحداث والمستجدات
الجدوى من مهرجان مكناس بين 'كان يا ما كان' و'ديك الدار الكبيرة'
تنشيط المدينة بمهرجانات متتالية أصبح موضة شأن كل مدبري مدن المملكة. فبعد أن تم تقزيم مواسم الأضرحة والمزارات، وتم حذف البعض منها، أطلقت السلطة الوصية حركية الفعل الثقافي وسبل استنبات مجموعة من المهرجانات تغطي امتداد أيام السنة.
في حديثنا عن الجدوى الفنية والثقافية من مهرجانات مكناس. أولا، لا نميل إلى تبخيس الأنشطة المنجزة ولا الأفكار، ولكن نرتضي المساهمة في مأسسة ثقافة الإفتحاص. وسنتطرق أولا في مقالتنا إلى شق منهجي أي " القصد من الإفتحاص في المهرجانات" . فالإفتحاص في المهرجانات يترتب عن خطة الإشتغال وفق شجرة التدبير بالنتائج، بمنطلق متابعة تحليل مخلفات كل المؤشرات المرجعية المنصوص عليها بالوضوح في كل مهرجان، والمرتكزة بالأساس على إستراتيجية حسنة التبويب، فضلا عن أن نتائج الإفتحاص تحيلنا أساسا على مصطلح المحاسبة في أداء المهام والنتائج، وبحد المساءلة التي يمكن أن تمتد إلى حد التفتيش في حالة وجود اختلالات بينة في التدبير.
فيما آثرنا تحييد مفهوم التقويم، لأنه في شكله المبسط يميل إلى التعديل وتجاوز كل تعثرات التدبير والبرمجة والتنشيط. لتبقى في الأخير الرؤوس المتحكمة في المهرجانات هي، هي"ولتعود حليمة إلى عادتها القديمة " في كل سنة وبنفس المقاييس والمعايير.
الآن ، آليات تفكيك جدوى مهرجانات مكناس بالإفتحاص ، يحيلنا إلى مستويين، المستوى الأول منه، الإفتحاص الداخلي من خلال تنقيط -(ليس بقطة عددية، بل عبر شبكة تتبع لكل حيثيات المهرجان) - لكل المتدخلين بالقرب أو البعد في تدبير المهرجان. كذلك من خلال تجميع كل الملاحظات مهما صغر حجمها وقلَ، كذلك من خلال استنطاق رؤية الصحافة المحلية والوطنية لدواليب المهرجان المسكوت عنها بالظل الخفي، وكذلك من حيث الأداء الفني والثقافي لكل المشاركين. مع وجوب استحضار مفهوم الحكامة في كل نقاط الكشف عن قوة المهرجان ونقط اختلالاته وضعفه وإكراهاته. خاص في شق الحكامة المادية، والتي غالبا ما تزكم رائحة الفساد المالي لتدبير المهرجانات أنوف الساكنة عبر نميمة المقاهي والمكاتب المغلقة. وتبقى مراجع سبب الإشاعة (الحقيقية والكاذبة) هو الانكماش المغلف بالضبابية في تدبيرالمهرجانات، وعدم امتلاك القيمين على الشأن المحلي خصلة الشفافية التدبيرية بالمكاشفة البينة عبر وسائل الإعلام. هنا، و في نفس المستوى يمكن أن نجمل قولنا هو افتحاص البحث عن الحكامة، وعن المعقولية التواصلية، وعن الأيادي النظيفة، وعن التدبير التشاركي بخبرة سيرة الجودة.
فيما المستوى الثاني من الإفتحاص فهو خارج بوابة المهرجانات، وهنا سنركز قولنا بمجموعة من الأسئلة التي تحيلنا لزاما إلى الكشف عن فرضية نجاح المهرجان أو فشله. ومنها نقول، هل حقق برنامج المهرجان مهمته في التعريف بالمدينة؟ عل زادت أيام المبيت بفنادق المدينة؟ هل تحركت عجلة الرواج التجاري بالمدينة؟ هل كان للمهرجان وقع أثر في جلب منعشين اقتصاديين بعقود موقعة؟ هل كان للمهرجان سبق في تجويد جمالية المدينة؟ هل حج نفس جمهور الرقص والغناء، إلى الندوات الثقافية والمعارض الفنية؟ من هي الفئات العمرية المستهلكة لبرامج المهرجانات؟ ما هي الأنشطة التي عرفت إقبال الجمهور على تتبعها؟ كيف كان التعامل بين مدبري المهرجان و متتبعيه ككل؟ هل خلا المهرجان من الدعاية السياسية؟ هل الأمن والسلامة تم توفيرها خلال أيام المهرجان؟ ...
كل أسئلة الإفتحاص بشقيه الداخلي والخارجي إذا ما مررناها على مكونات المهرجانات ، سوف تسقط كل مهرجانات مكناس وتصبح أياما للفرجة ولا تحمل مقصد مهرجان، ولنا أن نتحفظ من التعميم ونترك للتخصيص هامش ربح البصمة المميزة لبعض مهرجانات المدينة مثلا(مهرجان الفلم التلفزي).
إنه التلوث الثقافي الحديث الذي هيمن على الهندسة الثقافية المكناسية منذ الزمن الأبعد، وباختلاف الألوان السياسية المدبرة للشأن المحلي.
فسرد معيبات مهرجانات مكناس تزدحم فيها العناصر و تتدافع، فمن إغفال الجوانب التنموية بالمدينة -(سياسة النعامة)- فحدث ولا حرج، عطالة/ كساد تجاري/ غلاء في قفة المعيشة/ بنية تحتية للمدينة متهالكة/إدارة لا زالت تدير ظهرها لحاجيات المواطن المكناسي/رياضة بئيسة بالنتائج والتقهقر إلى أقسام هواة/مآثر تاريخية تتهاوى يوما عن يوم، وترميم لا يحميها إلا ساعة من زمن لجن المراقبة/ مسارات طرق لا تفي بكمية سيولة المراكب المارة بها... لنكتف بما ذكر وما خفي من بين السطور والكلمات سيحيلنا إلى قول محب الاختصار(مات والسلام) . فليس لأهل مكناس من مطلب عادل، إلا بالمطالبة بإقرار سياسة الأولويات (ومن تتشبع الكرش، تتقول للرأس غني).
لنرجع إلى مهرجان مكناس الأخير(20 سنة على التصنيف كتراث عالمي)، فمن ناحية جودة فقرات المهرجان فإننا لن نختلف فيها، فقد عمت الجودة وحضرت بالالتزام والحشمة والوقار، واستحسنها كل من تتبع فقرات المهرجان. لكن من حيث تدبير المهرجان (القيمين عل شأن المهرجان) فلنا الرأي والملاحظة والتوجيه، لنقر جميعا أن هناك ارتباك في التنظيم، لنعترف أن هناك مجموعة من المتدخلين بالرأي والتدبير أفسدوا الفرجة العفوية مثلا ( ارتجالية الندوات الصحافية/ ارتباك قاعة في إخراج سامي يوسف إلى العرض/ الارتباك في تقديم فقرات الحفلات/ إعادة تحيين البرنامج العام غير ما مرة...) ، لنلحظ الحيف الذي طال الصحافة المحلية وتغييبها التام بالتهميش، واستجداء التسويق عبر الإعلام غير المكناسي, لنتساءل أخيرا عن مجانية الولوج إلى سهرات المهرجان، بينما حراس الأمن الخاص الشداد، والغلاظ في الخطاب التواصلي يطالبون بورقة الدعوة للولوج إلى القاعة، فمن وزع الدعوات هو من سن في منشوره الإشهاري للمهرجان بالدعوة العامة.
التجربة بالبداية يمكن أن نقول أن القيمين على تمرير هياكل المهرجان (تعلموا الحلاقة في رؤوس اليتامى). لكن هل لنا من أفق لتطوير مهرجانات مكناس؟. نعم، لسنا بالعدميين سلبيي الرأي، ولا من يركب على (هدم الحفلة)، بل رؤيتنا التنظيرية التقويمية، في إعادة خلخلة بنية المهرجانات، والحذف بالقطع مع بعض الممارسات غير الصحية ولا الحضارية. ولخلق فسحة راقية من المهرجانات بالتباعد الزمني والاختلاف في روح المنتوج المقدم، لنا تصور في إعادة هيكلتها بالتجميع للحصول على مهرجان مكناسي بصبغة وطنية ولما القول بالعالمية، في إعادة قراءة متأنية للفعل الثقافي الذي نطمح إلى تأسيسه بمكناس، بالجواب عن سؤال ما نريد أن تحمل مكناس مشعلا لها؟، في إعادة التفكير في مشمول هندسة المدينة الثقافية وبنيتها الجمالية، في إعادة الاعتبار للمواطن المكناسي بالكرامة والعيش الكريم، في حكامة تحكمنا جميعا ونحترم ولوجياتها الدقيقة بقوة القانون، في إيلاء قيمة مضافة لأطر مكناس في التدبير والتنظيم و الإعلام، فإلى متى ستبقى مكناس تستهلك الخبرات المستوردة من المدن المجاورة وتأتمر بأمرها، وأهلها يهمشون لا لشيء إلا ما وجد في نفس يعقوب قضاها . مطلبنا المديني/المدني في جلسة مكاشفة تفتحص كل تمفصلات مهرجان20 سنة على التصنيف كتراث عالمي بالتفكيك والنقد، ولما لا نصل إلى اللوم البنائي.
ذ محسن الاكرمين
الكاتب : | محسن الاكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2016-12-08 23:02:04 |