آخر الأحداث والمستجدات
حديث عيون آخر لقاء
زهرة الياسمين الفواح عطرها تسكن دواخلي بالرسم والسر . لم أكن أعرف أن الانتصار على الإحساس معاكسة للتيار . لم أدر يوما أن ذات العيون العسلية لها مضغة حياة في قلبي وفؤادي . لما الإقرار العلني ولو لذاتي وليس لغيري ... فكرت في الأمر ألف مرة ونزعت الحب عن قلبي وألقيت به في زمرة المعزة والإخلاص . لا أستطيع اليوم ولا غدا البوح بسري لزهرة الياسمين ، فكم أنا اليوم موثوق بوثاق عذرية الحديث .
في كل يوم، نحل الروابي يلثم بالتقبيل ركوعا طل الصبح من زهرة رحيقها متجدد العطاء . زهرة تتفتح من الصبح إلى المساء ... هي ذي السيدة التي أحكي لكم عنها ، لا أتذكر معرفة اليوم الذي نظرت إلى عيونها بالتأريخ والتوقيت ، فكل الأيام لها عندي صورة مطرزة في خيالي ، أنسجه وأعلقه على جدار غرفتي بتساو أركانها ومساحتها ... لكن كان ذاك بعثة انقلاب لكيان الحاكي فهو العمر والأمل والسعد ... مسمع دوس القدم تسبق قدومها وخفته ترسل رنة إن لم تكن من الموسيقى فهي من انسياب المياه وخرير شلالاته ...
الآن وصلت وقبل وصولها تصل نسائم العطر المميز ... الآن أعرف عطرها بالتكرار وإن كان قد سكن أنفي بالتمام ...أعرف أن اللوم يسبقني في كتاباتي وضميري يعذبني ...أعرف أن منها وهي بالأساس مقبول ...أعرف أن الكتابة ما هي إلا تعبير وصدق بمعزة من أحتفي بها ولو بالتفكير السردي والحكي المباح ... فمن تحية أولية إلى ابتسامة طفولية لا تفارق ملمح خدودها ...إنها القادمة وكفى ...
حين جلست رأيت الخوف يسكن عينيها ...لحد الآن لم تبح بكلمة لي إلا من تأمل شد المكان والحضور إليها وملأ المجلس طاعة وتنويرا ... لكني لحد الساعة لم أعرف إحساسا أخرجني يوما من تخوفاتي الدفينة .... ما أصعب أن تعز امرأة ليس لها عنوان .... إنه الخوف القادم بكسر الوجدان الداخلي عنوة ... ما أسوأ أن ترجع يوماً مهزوماً مكسور الوجدان...
الآن الصورة تلفني وحدي بالحكي عن الهيفاء ذات الصورة النابضة بالحركة ... صورة مؤطرة بالحفظ والصون ... الآن أخرجكم جميعا من دواخل شعوري وألتف بكم إلى الماضي الذي ماانفك يمضي ... قصتي لم تكن من وقع الوجود الحقيقي ... قصتي لا تنتمي إلى بكاء الأطلال ، لكنها هي كشف للحلول بين الذات المحبة والحبيب . بدايتها كانت بمدينة لا أعرف اسمها ...بمكان حاطته أفول من المارة سعيا بالتسوق والتبضع ... هنا المنشأ الإفتراضي ... وسط اختلاط الأصوات وتداخلها بين من يبيع ويشتري ...زحام المكان أوقفنا جميعا عنوة ، تلك لحظة البداية لأول مرة أرفع عيناي لمن تقابلني في طريقي ،لكن لو كنت أعلم لقررت منذ البدء الأول أن أنظر إلى العيون والوجوه ... ابتسمت بارتباك بين الوضعية التقابلية التي وضعتنا فيه الحياة أهو قضاء وقدر ؟ أم هو صدفة لا تكرر نفسها ؟ ... التحرك موقوف التنفيذ لعدة لحظات ، والعين بالعين في تبادل لأسئلة طال أمدها ... أسئلة لا تحمل علامات استفهام ولا تعجب . أسئلة تستلهم اللحظة في الوقت الحاضر وتستحضر الماضي بعزته وقوته ، أسئلة تسحبك بحنو نحو توليد الأحاسيس وابتهاج الشعور من دون أجوبة ولا تسويغ ...ارتباك حل بالفجأة السريعة وسحب التأمل اللحظي نحو التململ من المكان بفعل التدافع ...المساحة قلت بيننا وأصبحت قاب قوسين من التقايس البدني ...ازداد الامر حرارة واشتعل الوجه احمرارا ...لحد تلك التواني المتوالية لم ينبش أحد منا ولو بكلمة واحدة ،لكن الخطاب الداخلي أعترف به لكم جميعا ، فهو كان شعورا يسحبني من محشر قوم القيامة إلى جنة الفردوس .
تحرك الطوفان البشري فيما نحن قيام لا ندر بأي اتجاه نسير ...هي ذي البداية الأولية ، بداية حياة يركبها تيار إسم عيد لازال في فمي ... لحد الآن لازلت في تساؤل متى جرفني التيار ؟ إلى متى سأبقى وسط التيار ؟
توالت الأيام والصورة اكتملت بالشد على اطارها المطرز ... لكن لحد اللحظة أحكي عن نفسي عن دواخل إحساسي ...ولن أزيدكم منه إلا عفة القول والمعزة لها بالحب الصادق ...انفض الجمع وكل القوم قصد مقصده فمنه الداني والقاصي ...رجعت لنفسي حين استوطن في تفكيري صورة من لم تنبش ولو بكلمة ...أين أجدها ؟ في أي حي تسكن ؟ في أي مدينة تقيم ؟ أين هي الآن ؟ أسئلة بالإسترداف التوالدي زادت الأمر تعقيدا وفسحت للمجال الافتراضي فسحة بالحضور التخميني ... حضور لم يغن ولن يسمن من فراق تقابل العيون وتقايس الأبدان ....
بتوالي الأيام اشتد الحنين إليها وتربى في داخلي معاودة الكرة بالتجربة المتتالية وبنفس المقاييس والأمكنة والأزمة .لكن هيهات ،هيهات ان تنجح التجربة مادامت سيدة زهر الياسمين اختفت دون كلام ... لا أخفيكم سرا فمن اليوم تعرية حياتي لن يغنيها بدا من دفء النسمة الهاربة بالاختفاء والانفلات الحسي .
حيلتي قلت بالاستنجاد إلى قاموس حيل أوفياء الحب العذري ، وأدعيتي في صلواتي لم تجديني نفعا في الاستخارة للوصول إلى زهرة الياسمين الفواحة ...اليوم قررت قراءة الفنجان ،عند عرافة شمطاء الشكل ،وفي وكر يفزع القلب من ولوجه ، والأنف من شم أبخرته وتعاويذه ، الجو الماطر والإعصار سكن المكان ، صوت الريح يحدث دويا وليس له تشبيه إلا الفزع الزائد من القصر السفلي للجن والعفاريت ... بعد طول انتظار وصلت إليها ويا ليتني ما حللت بمقامها المقزز... لم أنظر إلى وجهها من شدة رعبي ،لم أتكلم لحظة أمام دخان بخور نارها . صاحت بقوة صوت مبحوح ... حينها تراجعت إلى الوراء بخطوات لم أحسب عددها ... تساءلت لم صاحت بأعلى من الصوت وهي تناديني .... وقالت بحياتك يا ولدي امرأة سبحان المعبود ،فمها مرسوم كالعنقود ،ضحكتها أنغام وورود ... لا أخفيكم لحظتها تذكرت قصيدة نزار قباني وابتسمت ، فالعرافة تحفظ القصيدة ... فيما عملت على مقاطعتها وتناولت الكلمة وأتمتها عليها ... إنها العرافة الحديثة والتي لا تسترق إلا سمع الحب وقطع البحار ... من شدة اندهاشي سررت للأمر رغم أنها أيقنتني أن حبي مفقود ... مفقود يا ولدي .... لكل من يطرق بابها ...
انتهى أمري ، وقررت أن لا ألازم التفكير في صورة زهرة الياسمين ...حينها انشغلت بتوابع الحياة ... مرت الأيام والأشهر بأحلام لا ألوي القبض على شيء منها ... ساعات وأنا أرتقب التغيير ،لا شيء البتة ...اعتدت على الألم العاطفي ولم أبرحه ... لكن الذي كان يسكن في دواخلي كإحساس أن يوما سيعاد اللقاء ولن تستطيع زهرة الياسمين من البعد عن مرأى عيوني ...
الكاتب : | محسن الاكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2015-11-06 15:54:45 |