آخر الأحداث والمستجدات
ما هي الضمانات الأساسية لإنتاج انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ؟
المرجعية الدستورية حصنتنا بضمانات مشمولة ترجع " السيادة للأمة، تمارسها بصفة غير مباشرة بالاستفتاء، وبصفة مباشرة بواسطة ممثليها (الفصل 2)؛" و تعطي مساحة أرحب حين ترسم " تعميم حرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية " ( الفصل 6 ). وتحسم أيضا في مبدأ ضمان " الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي ( الفصل 11 )؛"
هنا تشتد حزمة القوانين المنظمة للانتخابات ، وتزداد سلطة ضبط آلياتها الإجرائية . فالإطار الدستوري العام ،والقانوني التنظيمي لانتخابات 2015 تم تشكيل مقاطعه الأساسية من:
1) دستور المملكة سنة 2011،
2) القانون 57.11/ قانون 88.14 (ينفذ وينشر بالجريدة الرسمية، عقب ظهيرنا الشريف هذا،القانون رقم 88.14 المتعلق بالمراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية العامة، كما وافق عليه مجلس النواب ومجلس المستشارين.)
3) القانون التنظيمي 59.11(تطبيق أحكام هذا القانون التنظيمي على انتخاب أعضاء مجالس الجهات وأعضاء مجالس العمالات والأقاليم وأعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات).
4) القانون التنظيمي للأحزاب
5) مشروع القانون التنظيمي للجماعات
6) مشروع القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم
7) مشروع قانون تنظيمي يتعلق بالجهات
8) قانون الملاحظة المحايدة والمستقلة (الفصل 11 : يحدد القانون شروط وكيفيات الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات، طبقا للمعايير المتعارف عليھا دوليا).
ومن أولى الملاحظات الإرتكازية لعملية تطور مساطر الانتخابات نحو الدمقرطة نلحظ ما يلي :
1) ارتفاع عدد فصول الدستور الخاصة بالجماعات الترابية من 3 فصول إلى 12 فصل ( ارتفاع من 2% إلى 6.6% )،
2) تغير المرتبة القانونية من قانون إلى قانون تنظيمي،
3) تغير مدونة الانتخابات بقانون تنظيمي ،
4) التنصيص على الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات بالدستور وإصدار قانون خاص لها ،
5) منح البرلمان حق تحديد مبادئ الدوائر الترابية،
إنها الملاحظات التي يجب استحضارها والبصم عليها بالموازنة الديمقراطية التعاقدية التي تنزل فصول دستور 2011 بثبات ، وتطمح إلى إرساء صلابة رؤية ديمقراطية لمغرب المستقبل ،مع البحث الدائم عن دعم وإقرار مفهوم التنمية الشمولية ضمن المخطط التنفيذ التشريعي (الفصل 136 :" يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة " ) .
كل الضمانات المشمولة بالتوافق على المستوى الأولي التشريعي للدولة متوفرة بترسانة دستورية وقانونية ، وبحسن نية مسبقة ،ثم على المستوى الثاني للأحزاب السياسية - ( الفصل 7 " يجب أن يكون تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرھا مطابقا للمبادئ الديمقراطية" ) - كشريك أساسي لتحقيق الديمقراطية التمثيلية ، ولزوما في المستوى الثالث المجتمع المدني – (الفصل12:" تؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وتمارس أنشطتھا بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون..." ) - كهيئة ناخبة لها كل صلاحيات حرية الاختيار والتوجيه السياسي في إطار الديمقراطية التشاركية (إن المبدأ العام في الاقتراع هو أن يضمن القانون لكل مواطن الحق في التصويت السري الحر و الترشيح "المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية 1966").
سمة التوجيه القبلي لنتائج الانتخابات الجماعية الترابية - (الفصل 135 من دستور المملكة " الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات". ) - مرتبة مسبقا وفق معدل العتبة واللائحة الانتخابية (القائمة )، وليس للأحزاب السياسية إلا اللعب وفق رقعة لعبة "الضامة " والتي لا يسلم منها بالنجاح إلا من ركب سكة "واديها " الوسط و"ضام" بالوصول إلى عتبة الاحتساب / النسبي .
فبعد أن كانت الأحزاب السياسية هي التي تنادي بالصوت العالي وتطالب بالنزاهة والانتخابات الحرة ،أصبحت الآن الدولة هي من تبحث عن نتائج انتخابات غير "مضروبة" بمفهوم غير مشكوك في نزاهة محصلتها النهائية ،لا من طرف الأحزاب السياسية المتنافسة ولا من طرف القائمين على الملاحظة والمراقبة بالحياد من المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والدولية .
تخليق الحياة السياسية مطلب نالت من شرف دعوته الأولى قيادات الأحزاب الوطنية التاريخية وعززه دستور 2011 بالإقرار. فيما وضعية تسييس المجتمع لا زالت لم ترق إلى الطموح السياسي الإصلاحي للدولة كواقع متوافق عن الحكم السياسي الذي نطمح جميعا إلى توصيف آليات بنائه الديمقراطي بالترتيب التعاقدي .
أسباب العزوف السياسي ( المقاطعة / اللامنتمي / اللامهتم/ الامتناع عن التصويت ) تتقاسم فيه الدولة والأحزاب السياسية القطعة الكبرى ،فيما المساحة الصغرى البارزة فيه أسبابها تتوزع بين التذمر الاجتماعي الشعبي ووضعية القهر والحكرة التي يكابدها المواطن البسيط ، وبين النفاق والوصولية السياسية التي أتلفت الثقة بين المواطن والصندوق ، فيما تنال رؤية الإصلاح السياسي التي بقيت حبيسة في الشكلية ولم تحقق ولو قسطا من العدالة الاجتماعية الوطنية حصة محيط الدائرة الكبرى .
وحري بنا الوقوف على إشكالية اختيارات النظام الانتخابي المغربي ونمط الاقتراع . فبين الإبقاء على النمط الفردي في بعض الدوائر (الاقتراع الأحادي الإسمي بالأغلبية النسبية ) و بين نمط اللائحة (التمثيل النسبي على أساس قاعدة أكبر بقية مع اشتراط نسبة العتبة المطلوبة للمشاركة في عملية توزيع المقاعد ) ،الهدف السوي من هذا الإختيار مراعاة وضعية الوسط المجالي /الاجتماعي ،ونقل الانتخابات المغربية إلى تنافسية الأحزاب السياسية بينها في البرامج السياسية وليس بين الأشخاص (بالمال والنفوذ والوجاهة ) . غير أن هذا النمط المطبق (الاقتراع وفق اللائحة المغلقة ) لم يمكن من حل الإشكالية الانتخابية، بل كرس سلطة المال وفرض وجوها تم استهلاكها غير ما مرة انتخابيا (منذ 1963). في حين أن من سلبيات الاقتراع باللائحة الكبرى أنه يساهم في البلقنة السياسية ، فلا أغلبية حسابية ولا برامج تطبق إنها تحالفات هشة والريح يطوح بها حسب المصالح والمنافع .
الآن وصلت إلى بيت القصيد فئة الخواسر الصغار ممن تموضعوا في المراتب الأخيرة من اللوائح الانتخابية لأحزابهم بغاية التأثيث المصلحي والاكتمال القانوني للائحة ، هي ذي الحقيقة التي تلعب فيها الأحزاب بغير النهج الديمقراطي المطالب به من قبلها، وتكرس من خلال سلطتها التقريرية نفس الوجوه بالفرض أو بالإسقاط عبر مظلات الغزو السياسي الاستعجالي . حيث أصبح رأس اللائحة ومن يواليه بالترتيب إلى حدود العشرة من المرضي عنهم بالصفوة والصحبة ، هم في حساب من سلمت أرجلهم من واد الضامة و " نشفت " بالنجاح . فيما الخواسر الصغار كل من أثثت اللائحة بطلعته البهية في الصورة ، وروج له بتسويق راه "معنا " و "حبيبنا " صوتوا عليه وكفى .
إن التصويت وفق نمط اللائحة المغلقة ( بمعنى أن الناخب يصوت على اللائحة بشموليتها ) نقل الأحزاب من وضعية التنافس فيما بينها على أساس البرامج/الأشخاص/ البعد القروي والحضري... وحتى الإسقاطات القديمة التمييزية بين الأحزاب الوطنية والإدارية تم تجاوزها ، إلى وضعية الصراع الداخلي عبر إشكالية اختيار وكيل اللائحة (الإقليمية /الجهوية ) والمراكز المتقدمة ،الأمر الذي جعل من الأحزاب السياسية المغربية تتفتت كالصخور النارية عند كل محطة انتخابية .
نعود إلى الدولة وضماناتها الشاملة (الفصل 11 الانتخابات الحرة والنزيھة والشفافة ھي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي . (و) السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينھم...) ، فنعلن أولا عدم جدوى الحياد السلبي للجهاز الإداري فيما سبق . الأمر الذي نستبقه و نحمد نفعيته في انتخابات 2015 هي عزم الدولة قانونيا الضرب على كل مخل بشروط الاقتراع النزيه - (الفصل 11 كل شخص خالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاھة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية، يعاقب على ذلك بمقتضى القانون .) - وهو المطمح الذي تتساوى فيه جميع الأحزاب السياسية والدولة على إقراره والالتزام به ، وبالمطالبة بعواقب قانونية لكل ما أربك أول تجربة انتخابية جماعية في ظل دستور 2011.
في المغرب نجعل الانتخابات النزيهة مرادفا حسنا للديمقراطية لكن نظرية الديمقراطية تتسع أفقا أرحبا من حصرها في جزء حبة عنقود متشعب ومتصلة بالانتخابات فقط . لنا أسئلة كثيرة ، ولكل منا مساءلة ذاته ووضع السياسي وإيجاد أجوبة تغير مسار الإنتخابات نحو الأفضل ولو بالتفكير في البدائل ومواجهة مخاطر اللعب بالنار في الانتخابات الجماعية ل 4شتنبر 2015 .
هل النظام الانتخابي الحالي (الاقتراع باللائحة ) قادر على خلق أقطاب (كتل) أحزاب سياسية قوية ؟ هل النظام الانتخابي الحالي (الاقتراع باللائحة ) له القدرة بالحد من انجراف المواطنين نحو العزوف ومقاطعات الانتخابات ؟ هل النظام الانتخابي الحالي (الاقتراع باللائحة ) قادر على تجديد النخبة السياسية المغربية ؟ هل النظام الانتخابي الحالي (الاقتراع باللائحة ) له القدرة من امتصاص وتسرب سلطة المال المبيض في الانتخابات؟ هل النظام الانتخابي الحالي (الاقتراع باللائحة ) له القدرة على تحجيم الفساد بالمحاسبة والمساءلة القانونية ؟ هل النظام الانتخابي الحالي (الاقتراع باللائحة ) نظام يرسم الخريطة السياسية قبل إجراء الانتخابات ؟ هل النظام الانتخابي الحالي (الاقتراع باللائحة ) يكفل للدولة تحريك كراكيز اللعبة السياسية من بعيد ؟ هل النظام الانتخابي الحالي (الاقتراع باللائحة ) في شق العزوف والمقاطعة الشعبية يخدم أحزابا بعينها ؟ هل النظام الانتخابي الحالي (الاقتراع باللائحة ) في شق العزوف والمقاطعة الشعبية يحرر الدولة من مفاجأة النتائج غير المنتظرة ؟ هل النظام الانتخابي الحالي (الاقتراع باللائحة ) قادر على خلق وإنتاج نخب سياسية بيضاء الأيدي تؤمن بربط المسؤولية بالمحاسبة ؟
إنها أسئلة اللحظة ما قبل الانتخابات الترابية ،ولنا عودة إليها ، ولكم الحرية في الإجابة عنها .
الكاتب : | محسن الاكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2015-08-14 14:43:25 |