آخر الأحداث والمستجدات
جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس تنظم يوما دراسيا حول: مشكلات الحضارة وسؤال القيم
احتضنت قاعة المؤتمرات بمقر رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله يوم الثلاثاء 16 يونيو يوما دراسيا من تنظيم مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني وبتنسيق كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، حيث كان محور اهتمام هذا اليوم منصبا حول تشخيص مشكلة الحوار الحضاري ومدى انعكاساته في بلورة نموذج لحوار الأديان والثقافات بما هو أفق لحل الأزمات الحضارية المعاصرة، لذلك ارتأى القيِّمون على هذا اليوم صياغة العنوان التالي "مشكلات الحضارة وسؤال القيم"، كمقاربة شمولية لهذا الموضوع انطلاقا من حقول معرفية متكاملة انثروبولوجية واجتماعية وثقافية واثنولوجية وسياسية.
وأشير هنا أن مركز مغارب ينظم لأول مرة ، وعلى مدى ست ساعات متتالية أحداث هذا اليوم الدراسي، نشاطا علميا خارج مدينة الرباط، لهذا ارتكزت المداخلة الافتتاحية التي تناولها السيد مصطفى المرابط بصفته مدير مركز مغارب في شق كبير منها على التنويه بمبادرة الجامعة المحتضنة لمثل هذه الأنشطة العلمية، خصوصا أنها، وفي نفس السياق، اعلنت مؤخرا عن اطلاق جائزة ابن بطوطة للتبادل والحوار الحضاريين.
في هذا السياق، شمل هذا النشاط العلمي أربع محاضرات، حيث ألقى الدكتور يونس الوليدي بصفته استاذا جامعيا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، ومتخصصا في حوار الحضارات والثقافات، المحاضرة الأولى التي عُنونت بـ"حوار الحضارات بين الفكر الغربي والفكر العربي الاسلامي"، حيث شخَّص من خلالها ضرورة الانخراط في مشروع حضاري ممثل للنوع الانساني كافة، ويتجاوز كل الخلافات السياسية الثقافية الحالية، من هنا يكون الحوار الحضاري نموذجا يسعي إلى المساواة السياسية وتحالف الإيديولوجيات وتصالح الحضارات والثقافات، وتكريس مبدأ الحضارة الواحدة الممثلة للنوع الانساني كافة من دون أن يكون البعد الاثنولوجي العرقي أو الإنتماء الجغرافي أو المكون الثقافي الديني عائقا أمام حوار الحضارات، وإلا لاستدعى الأمر الحديث عن صدام الحضارات بدل حوار الحضارات، وهنا يستدعى المحاضر نظريات صمويل هنتنغتون وفوكوياما والمهدي المنجرة في تصورهم للمشروع الحضاري.
يعي المحاضر ضرورة استحضار مبدأ الحوار كعنصر أساسي في حوار الحضارات، وهو مبدأ يقوم على قيم التسامح والتعايش بين الثقافات والحضارات، ويشدد بهذا الخصوص على ضرورة الاحترام بين الأنا العربي الاسلامي والآخر الغربي، فعلاقة الأنا والآخر إذا ما قامت على مبادئ الحوار واحترام القيم العرقية والدينية والثقافية لكل منهما، اندثرت أسباب الخلاف بين الحضارات، وتبددت الحدود الثقافية والدينية بينهما، وتبددت نظرية الحضارات المركزية والحضارات الهامشية، وانصهرت جميع حضارات العالم في حضارة واحدة ممثلة للنوع الانساني كافة.
تركزت المحاضرة الثانية التي ألقاها الدكتور جمال بوطيب استاذ جامعي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله ورئيس تحرير كل من مجلة الآداب والعلوم الانسانية ومجلة مقاربات، حول موضوع "حوار الحضارات ومنظومة القيم"، وهو بهذه المداخلة يتجاوز البعد النظري لحوار الحضارات والتي أشير إليه في المحاضرة السابقة، مركزا على هذا البعد ضمن منظومة القيم من قبيل العولمة والإسلامفوبيا أو العالم القرية، وهي مفاهيم تعكس تعدد المنظومات القيمية التي توجه الحوار الحضاري الذي يكرس هيمنة الحضارات المركزية مقابل تهميش حضارات الأطراف، لهذا لا نكون أمام حوار الحضارات كشروع يؤسس للحضارة الواحدة التي تمثل الانسانية بقدر ما نكون أمام استيلاب حضاري.
يتحدث بهذا الخصوص الدكتور جمال بوطيب على أربعة انماط من الحوار مستقاة من نماذج إسلامية وهي الحوار التراسلي حيث نجد أن ابن تيمية أرسل إلى ملك القوط رسالة يدعوه إلى التوحيد من دون أن يلزمه بضرورة اعتناق الإسلام، وفي هذا النموذج يرد نوع من الحوار الديني التي أقره الاسلام، ثم هناك الحوار السلوكي من حيث أن افعال المسلمين وأخلاقهم استلهمت الاخر الديني (اليهودي والمسيحي بالخصوص) واعتبرت نموذجا للتسامح والحوار، ثم هناك الحوار الحجاجي الذي استعمل فيه أساليب الإقناع المنطقي والاستدلال العقلي من دون التعصب الدوغمائي، وقد ساد هذا المنهج في فترة مبكرة من العصر الإسلامي، حيث نجد أن الباقلاني يقنع بمنطق العقل بطريق الروم على ما يظهر له لبسا في بعض الروايات والتي تبدوا له متناقضة ومتعارضة، وأخص بالذكر حادثة شق القمر على يدر الرسول صلى الله عليه وسلم وحادثة التبرئة الإلهية لعائشة رضي الله عنها. ثم نجد في مرحلة أخيرة الحجاج الجغرافي وهو ما يمثله نموذج الكعبة كمكان التقاء الاثنولوجيات والثقافات والمجتمعات، تشترك كلها في وحدة الطقوس والتعبدات والقيم الدينية الممثلة للنوع الانساني.
تناول الدكتور سعيد كفايتي في المحاضرة الثالثة الإسهام الإسلامي في حوار الحضارات، ادرجه تحث عنوان:" الحوار في الاسلام، الدروس المستخلصة"، مشخصا نموذج الحوار الإسلامي ومنهج الجدل الديني مع الآخر في بناء حوار الثقافات والحضارات، وأشير هنا أن الدكتور سعيد كفايتي أستاذ جامعي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله وأستاذ زائر بجامعة الأخوين، ومتخصص في حوار الحضارات ومقارنة الأديان، وله عدة إسهامات علمية في هذا الحقل المعرفي تندرج ضمن مبادرته في النهوض بعلم الاديان وحوار الحضارات داخل الجامعات المغربية.
اعتبر الدكتور ان العامل الجغرافي والسوسيولوجي والديني للبيئة التي ظهر فيها الاسلام كان سببا في بلورته منذ وقت مبكر، تصورا للحوار والجدل القائم على الانصات والاقناع والاعتراف بالآخر الديني ضمن تصور يهدف الى انصهار المعتقدات الدينية السائدة ضمن وحدة الدين الاسلامي من جهة، وتكريس مبدأ حرية الأقليات الدينية (أهل الذمة) من جهة اخرى، لهذا اعتبرت مجموعة من آيات النص القرآني دعور للحوار بين الاسلام كديانة سائدة واليهودية والمسيحية كديانات اقلية، نذكر على سبيل المثال:
الدعوة إلى التعارف من خلال قوله تعالى:"إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".
الحق في الاختلاف كمبدأ أساسي في الحوار من خلال قوله تعالى: "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"
الدعوة الى حرية المعتقد من خلال قوله تعالى: "لا إكراه في الدين".
قيم التسامح والإقناع في الحوار الديني من خلال قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".
الدعوة إلى وحدة الدين وذلك في قوله تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم"
في الشق الثاني من محاضرة الدكتور أبرز دور علم مقارنة الأديان في تأسيس الحوار الإسلامي الذي يقوم على إفحام المعتقد اليهودي أو المسيحي بمنهج عقلي و استنادا إلى أدلة تاريخية تضع النصوص المقدسة في موضع شك وارتياب، وفي نفس السياق أشار الدكتور الى بيبليوغرافيا غنية بهذا الموضوع وتنصب في شقها الأول حول الجدل الإسلامي المسيحي سواء من خلال كتاب "الفصل" لابن حزم، أو كتاب "رسالة في الرد على النصارى" للجاحظ"، وغيرهم، وفي شقها الثاني الذي انصب حول الجدل الإسلامي اليهودي من خلال كتاب "الرد على ابن النغريلة" لابن حزم نموذجا.
عموما أبان منهج المسلمين في تأسيسهم للحوار مع الآخر الديني عن تغيب شامل للايديولوجيا أو التعصب الديني أو اقصاء كلي للديانات الأخرى واستحضار كلي لقيم التعايش والسلم التي تحقق وحدة الذين الإسلامي بما هو ممثل للنوع الانساني.
الكاتب : | هيئة التحرير |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2015-06-24 21:12:15 |