آخر الأحداث والمستجدات
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس : العمل النقابي وثقافة الاجتثاث
في كلية الآداب بمكناس تحول العمل النقابي منذ مدة غير يسيرة إلى حطام وركام من النزوعات الإقصائية والممارسات البهلوانية العدائية، التي تستهدف في العمق ضرب الوحدة النقابية ونسف أسسها وعناصرها وإغلاق آفاقها الممكنة، كما تحول إلى واجهة لتصفية الحسابات الوهمية، واختلاق فقاعات نضالية بهدف التغطية على الهامشية القاتلة التي يعاني منها الراكبون على أهبة الفراغ ، ليتلذذوا بالزعامة ويظهروا براعتهم في تدبير وحبك المؤامرات والدسائس والمناورات واصطناع المعارك والمكاسب النضالية التي لا تجدي فتيلا.
ولم يقف الأمر عند تخوم المكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالكلية، والذي قاد حملة هوجاء لزرع "أفكاره الهدامة" ضد الأساتذة الباحثين، ووضع صكوك غفرانه لقبول الانتماء أو الإقصاء من جنة عدن النقابة، في ضوء الحيثيات الخرقاء التي اعتمدها لإعادة رسم خريطة الانتماء النقابي بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس وبكلية الآداب على وجه التشديد،بل إن المكتب الجهوي للنقابة ذاتها تكلف الكثير من الشجاعة والجرأة المفقودة ليتحدث عن المنشقين والمبعدين والمطرودين والمعارضين وأعداء النقابة الألداء الذين لا يمكن التساهل معهم في الانتماء ولن يسمح لهم بتلويث الأجواء العليا للنقابة، وهو ما قد يحملنا للقول إن ولادة النقابة الوطنية للتعليم العالي بهذه المدينة الجامعية ترتبط بظهور هؤلاء المناضلين الخارجين عن القاعدة والمخالفين للقياس، الذين انتظروا عقودا طويلة ليكون لهم موطيء قدم في مسيرة نضال الكلية والجامعة بوجه عام.
لقد حاول المكتب المحلي للكلية، وبعده المكتب الجهوي، أن يتنعما باستعادة الأجواء التي سادت الكلية والجامعة قبل سنوات ، ويستنفرا الأحقاد القديمة لترسيخ تقاليد الانتقام والثأر،لمواجهة مجموعة من الأساتذة الباحثين الذين أشهروا قناعاتهم واختلافهم في ذلك الوقت مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، وبادروا في سنة 2008 إلى تأسيس إطار نقابي جديد، في سياق مناخ تاريخي وثقافي خاص كان حافلا بكثافة فكرية ونضالية عالية المستوى، ورغم الحصار "الأفقي" و"العمودي" فقد استطاعت النقابة الوليدة أن تضيف منحى جديدا للمطالب الخاصة بالأساتذة الباحثين ، وأن تقترح لها حلولا مغايرة، من منطلقات ومباديء واضحة هي الدفاع عن الجامعة المغربية ومستقبلها، وعن حقوق الأساتذة الباحثين ومكتسباتهم ومصالحهم المهنية.
وليس بوسعنا الآن العودة إلى استدعاء السياق السياسي والاجتماعي والتاريخي لتلك المرحلة، لأن بعض الجماعات المعزولة هنا أو هناك، تترقب ذلك، وتعول على الاصطياد في المياه العكرة والرجوع إلى الوراء لترويج بعض مباهج أفكار ورؤى تجاوزتها الوقائع، وانتهى قدَرُها التاريخي، لا سيما وأن مناضلي النقابة الديموقراطية للتعليم العالي أعلنوا منذ 2013 قرارهم الواعي والمسؤول بالاندماج في النقابة الوطنية للتعليم العالي، بعد قراءة موضوعية، وازنة واستشرافية لأوضاع التعليم العالي ببلادنا، وأُعلن القرار أمام الرأي العام في المؤتمر العاشر للنقابة الوطنية(15 مارس 2013). وقد مر ما يقارب العامان على إعلان القرار، لكن النقابة الوطنية للتعليم العالي محليا وجهويا ووطنيا لم تُبْدِ أي رد فعل إيجابي، لحد الآن، نحو مبادرة أعضاء النقابة الديموقراطية، عدا ما تم تسجيله أثناء المؤتمر العاشر، وفي جامعة مولاي إسماعيل وكلية الآداب بمكناس خصوصا، كشر الكثير من المناضلين المصابين بالمراهقة النضالية والسياسية المتأخرة، عن أنيابهم العدوانية للهجوم على مناضلي النقابة الديموقراطية وأعدوا العدة لمصادرة حق انتمائهم أو اندماجهم على الأدق، مصرين على اجتثاثهم وإغلاق باب العودة أمامهم، وطالما تم تبرير كثير من هذه الممارسات العدائية بتنفيذ قرارات و توجيهات مزعومة من المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي. ونحن إذ نستبعد هذه المزاعم جملة وتفصيلا، فإننا مع ذلك نستغرب مظاهر الحذر الكبير الذي يتعامل معه المكتب الوطني مع آليات الاندماج وضروراته، والعمل على إعادة بناء الفعل النقابي على أسس جديدة ورؤية أكثر انفتاحا وأكثر نجاعة و فعالية ، بما يضمن مصالح الأساتذة الباحثين كافة، وهو ما يحملنا للتساؤل عما إذا كان إرث النقابة الديموقراطية ما يزال يشكل صدمة بالنسبة له، ويحاول بشكل أو آخر مباركة أساليب القصاص والأخذ بالثأر من مناضليها.؟؟
وللتأكيد مرة أخرى فإن قرار الاندماج الذي اختاره مناضلو النقابة الديموقراطية لم يكن، بأي حال من الأحوال، استشعارا بالضعف أو العجز، بل كان موقفا فكريا واجتماعيا وتاريخيا، له مبرراته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، قد لا يدرك مغزاه الآن قصار العقول النقابية ، وقد لا تستوعب أبعاده جيوب الأيديولوجيات الانغلاقية والتعصب المقيت.
والهجومات العمياء التي تدبر بمهارات الانتقام من لدن الهياكل المحلية والجهوية للنقابة الوطنية للتعليم العالي بجامعة مولاي إسماعيل،تجاه مناضلي النقابة الديموقراطية هي مظهر للإساءة البليغة إلى الفعل النقابي وتاريخه المضيء، ولا تعبر، للأسف، إلا عن انحدار ثقافي وسياسي وأخلاقي، وقد تؤدي تداعياتها في المدي القريب أو البعيد إلى ما لا تحمد عقباه.
إن الهدف الأسمى الذي يصبو إليه الجميع هو الرقي بالممارسة النقابية وتطوير فعالية الأداء وتوحيد المواقف والجهود لما فيه مصلحة الأساتذة الباحثين وقوتهم لمواجهة التحديات التي يفرضها واقع التعليم العالي ببلادنا، وعلى الذين يراودون ويستثيرون جمر الصراعات الوهمية أن يدركوا أن تشتيت الشمل هو أقرب مسافة بين نقطتين، وأقصر طريق للعودة إلى الوراء وخلخلة التوزنات، والعمل على إعادة إنتاج شروط وظروف سنة 2008 وما قبلها ، سيؤدي حتما إلى النتائج ذاتها، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته قبل فوات الأوان.
الكاتب : | سعيدي المولودي |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2015-01-06 23:58:00 |