آخر الأحداث والمستجدات
دخول مدرسي مكسر...
بعد العودة من رحلة عطلة قليلة الأيام إلى مدينتي مكناس ، من جهتها الغربية للطريق السيار . وفي المدار الطرقي المؤدي إلى السوق التجاري . استوقف انتباهي أن الأثمان مكسرة في ممر الدخول المدرسي . ابتسمت لحال التعبير- " وهي محصلة دعوة نور الدين عيوش من عملية التعبير بالدارجة " - ، ثم تداخلت في مخيلتي مجموعة من الافتراضات لبناء جملة رديفة بدلالات مغايرة . فاهتديت إلى جملة شدت تفكيري بقوة ، حتى أنني سمعت منبهات السيارات بقوة تطلب مني الاستمرار في السير لعدم وجود علامة " قف" . وبعد أن "فقت " من سهوي بإتمام عودتي ، وقولي باسم الله مرساها بمدينتي المهمشة ، والتي حتى مشعل قيادة الجهة سحب منها عنوة وألقي به إلى غريمها التقليدي ... كانت الجملة البديلة للإشهار المشع الأنوار قد اكتمل بناؤها بنفس ركاكة التعبير الاشهاري ، فأصبحت بعد حذف الحواشي والتقديم والتأخير " دخول مدرسي مكسر " .
لما استوطنت جملة " دخول مدرسي مكسر " مخيلتي بثبات وفرضت نفسها بقوة الوضع . هل مرد الأمر إلى الأزمة المزمنة التي كسرت أسس المنظومة التربوية ، وطوحت بها إلى احتلال المراتب الأواخر من الترتيب العالمي ؟ هل للأمر علاقة بوضعية منتوج المدرسة العمومية " المكسر " بالعطالة والتعطيل ؟ هل أننا ألفنا مصطلح الأزمة وبات يلازمنا في جميع قطاعاتنا الحيوية ؟ هل هو خوفي مما اقترحته الحكومة من تكسير لعملية تنظيم التقاعد بالزيادة فيه هو الآخر؟ هذه أسئلة وأخرى تناسلت بالتناوب والتتابع وأخذت تأخذ موقعها الترتيبي للإجابة عنها .
هل حقا أن هذه السنة ستعرف دخولا مدرسيا مكسر الجوانح ؟ هنا اجتمع الإيجاب والقبول في القول ب " نعم " . فوضعية المدرسة المغربية سكتتها القلبية أعلنت جهارا، وبالتوافق المجتمعي التام مع مدبري القطاع .
فحتى الاستشارة الموسعة حول المدرسة العمومية والتي قام بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين مسبقا ، ولحقت به وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بنفس الغايات . استشارات أخذت حجمها الموضعي من تداخل السياسي والمذهبي (...) في كل إصلاح مرتقب لقطاع التربية والتكوين . فرغم الدعوات المتكررة باستبعاد التأثير السالب للخلافات السياسية والمذهبية عن الحقل التعليمي ،فإننا آثرنا غير ما مرة تكريسها على مساحة بلاط المدرسة العمومية " المكسر " بحجة البحث عن عناصر التوافق الوطني ، والذي يمكن أن ننعته بالتوافق المصلحي /النفعي ...البحث عن التوافقات السلمية "النفاقية " بسكونية السطح وانضغاط القاعدة غير المستقر ، هو ما يدفع بنا إلى الشك في النوايا المبيتة للإصلاح الاستشرافي المرتقب . هل سنقوم بعملية تجميلية لما أفسدته تراكمات الإخفاقات المتتالية ؟ أم سنعرج على عطار مغربي خبر لعبة" التسويق " ، أو إلى خبير دولي "بدفتر تحملات يساوي الملايير" لسد تجاعيد بؤس شيخوخة المدرسة العمومية ؟ أم سنعمل يدا في يد على تجفيف كل بقع الفساد والمفسدين من قطاع التربية والتكوين ، واعتباره قطاعا للتنمية البشرية الحقة ؟
الأغلبية تقول بالعودة - الحنينية - إلى دعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين الخاص ب (العشرية الوطنية للتربية والتكوين 2000 – 2009) وسحبه من الأرشيف الوزاري ، وتنميق ديباجته في حلة أنيقة منقحة حسب الطلب ، وكفى المغاربة شر التجديد والتطوير . لكننا نرى أن أمر الإصلاح قد تجاوز ما ورد بين الدعامات (19) للميثاق الوطني للتربية والتكوين ، من تسنين للمرتكزات الثابتة للقيم ، إلى الغايات الكبرى وحقوق ووجبات الأفراد والجماعات ، فالتعبئة الوطنية لتجديد المدرسة العمومية يجب أن تكون بمقاييس وموصفات جديدة ، ثم بمؤشرات دقيقة تحمل بين طياتها مصداقية الواقع ، مع ضرورة استحضار التحولات الوطنية والدولية المتلاحقة .
تجاوز تم بفعل تسارع مجموعة من التحولات الداخلية والعالمية في كل المجالات (الاجتماعية ،الثقافية ،السياسية ،الاقتصادية ... ) . إنها نقلة العولمة الاليكترونية التي لا تضع حسبانا لأي تأشيرة لتجاوز الحدود التربوية الدولية ...إنها كذلك النقلة الدستورية 2011 لمغرب ما بعد الحسن الثاني .
فإذا كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين - مثلا - يقول ب:"... مع الاستئناس في البداية – إن اقتضى الأمر – باللغات واللهجات المحلية " (الدعامة 4). فان دستور المملكة 2011 اعتبر اللغة الامازيغية " لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء"(الفصل 5) فرغم أن الصياغة اللغوية في ديباجة الدستور الأخير أوردت اللغة الامازيغية بدون تعريف (ال) وأفردت اللغة العربية بالتعريف (ال) ... فإن أمر التعبير في هذا الموضع لا يغير من بنية التوطين للغة الامازيغية . ويمكن اعتبار الإقرار والاعتراف الدستوري نقلة نوعية في إطار الدمقرطة اللغوية بالمغرب . فالمساحة الزمنية - " 15سنة " من حكم الملك محمد السادس - والتحولات العميقة في كل المجالات - (الاجتماعية ،الثقافية ،السياسية ،الاقتصادية ...) - التي شهدها المغرب ، فضلا عن اجتماع مجموعة من الأسباب الملازمة بتقابلاتها وتبايناتها الداخلية والخارجية ، فإننا نقر أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين لم يعد يف في دعاماته بالحاجيات الداخلية والخارجية المستجدة لإصلاح قطاع التربية والتكوين ، والبرهان البليغ حتى في عزعشريته لم يطبق منه إلا ما خف وقل وزنه المادي والبشري ، وحتى البرنامج الاستعجالي قفز عليه بتنزيل مجموعة من المشاريع الأكثر جرأة مما حمل الميثاق بين دفاته . لكن القول بالاستئناس بما ورد فيه من " تنصيص للمرتكزات الكبرى للقيم الوطنية " هو قول لا يجانب صواب موجهات الإصلاح الاستشرافي المرتقب.
فإذا جاز لنا أن نسمي المملكة المغربية بأحد منتجاتها - (الثورة غير المادية ) - فإنه يحق لنا استيفاءها حقها بتسميتها ب " مملكة الأزمات " ، لسنا في قولنا هذا من مدمني العدمية ، لسنا ممن تلبسه السلبية جهارا تجاه الوطن ، ولكننا نسعى إلى تعرية أسباب الإخفاقات التي تركب مجموعة من القطاعات الحيوية الشعبية ، نسعى إلى ضبط مصفوفة الاختلالات المؤدية إلى الأزمة التي تكسر مستقبل أجيال بين أيدينا ، نطمح وبأضعف مسلك وهو الحلم " النهاري " إلى المطالبة بإقرار إصلاح بمقاربة "شمولية "عادلة ، وبمصداقية أخلاق العناية التي نص عليها الدستور(2011) في مجال التضامن الوطني بمتتالية الكرامة والإنصاف لكل أبناء الوطن .
لا أخفيكم كذبة " أثمان الدخول المدرسي مكسرة " فهي لإفراغ ما بجيوبكم ، لا أخفيكم صدق حجم الأزمة الهيكلية التي يتخبط فيها القطاع التعليمي وما على شاكلته من القطاعات الحيوية الإجتماعية ... فموسم الدراسة قد حل وقته بنفس معايير الأزمة الماضية ، وباشتداد ضغطها عبر ارتفاع الأسعار نتيجة "مقايسة " الحكومة . والآن يمكن أن نجمل بعض أسباب المكسرة للدخول المدرسي:
- رفض المكاتب المدرسية التعاقد مع المؤسسات التعليمية في إطار " المبادرة الملكية مليون محفظة " لعدم تسوية الوزارة الوصية للملفها المادي مع الكتبيين لموسم الدراسي : 2013/2014.
- أثمان متضاربة في اللوازم المدرسية نتيجة تباينات في النوعية والجودة.
- خوف دور الطبع من تغييرات مرتقبة تلحق البرامج والمناهج ،مما جعلها تقلص من النسخ المطبوعة إلى الحدود الدنيا .
- الخصاص البين في الموارد البشرية ... حيث يتم معالجة الأمر بالضم المفضي إلى الاكتظاظ ...
- الحالة البئيسة لمؤسسات التعليم العمومي نتيجة انسداد ميزانية الهيكلة والإصلاح .
- إقلاع الوزارة عن تزويد جمعية دعم مدرسة النجاح بميزانية القرب والأولويات مما جعل ألوان طيف " جيل مدرسة النجاح " تفقد بريقها وتعيد المؤسسات المدرسية العمومية إلى بؤسها القديم .
- عدم الأخذ بمعطى مشاركة نسبة كبيرة من رجال ونساء التعليم في عملية الإحصاء ، مما سيربك الدخول المدرسي ... ومواعيد الفروض المحروسة ، وإدخال النقط في " برنامج مسار " .
- التحالف النقابي " الحق" ، فيما يعود إلى تنزيل الحكومة للقانون التنظيمي للتقاعد غير العادل لعموم الموظفين .
- الإجهاز على القدرة المعيشية لموظفي القطاع ...والدفع بالطبقة الوسطى نحو الإفلاس ... وتجميد الأجور...
- ثورة هيئة الإدارة التربوية في آخر بلاغات "مكتب الجمعية الوطنية لمديرات ومديري التعليم الابتدائي بالمغرب" ، لعدم التزام الوزارة الوصية بما تم الاتفاق عليه وخاصة مسألة " الإطار " وكذلك على الوضعية المأساوية التي تعيشها المدرسة العمومية في كفاف منتوجها التخرجي .
- المحالون على التقاعد والمرسوم الوزاري الذي كبل تقاعدهم إلى نهاية السنة ، فالحيف في استعمال السلطة أصابهم ،رغم أن تعاقدهم الأولي مع الحكومة كان بمتم 60 سنة . ثم بالله عليكم كيف ستكون مردود يتهم التعليمة وهو (ي) مكره (ة) داخل القسم لا بطل (ة).
إنها روافد نهر أزمات المنظومة التعليمية الرعدية المدوية جهارا ، والتي فصلها سينطلق مع بداية الموسم الدراسي . روافد لا يحد من تدفقها " المكسر " أي سد ولو علا ، فالسيل حجمه يزيد سنويا ومعالجته تتطلب الوطنية الصادقة من الأطراف الشريكة بالقطاع بدون إقرار لقرارات مركزية بالفوقية ،والقواعد ترفضها جملة وتفصيلا ... ثم الحسم في تحديد مرتكزات ومواصفات المدرسة العمومية في أي إصلاح مرتقب .
الأزمة تسكن كل القطاعات الحيوية للمملكة وتكسرها ، فمن قطاع العدل والفساد الذي يهز أركانه ...، إلى الصحة والمتاجرة بصحة المواطنين... ، إلى التعليم ونكوص إشعاعه الإنتاجي بالتسرب وبامتلاك الحد الأدنى من الكفايات المعرفية والمهارية ...، إلى السياسة و" الشعبوية " التي استوطنت أمناء أحزابنا ، ودفعت بنا إلى كره السياسة والسياسيين ...، إلى الاقتصاد وقول الملك : "... لا نريد مغربا بسرعتين.. أغنياء يزدادون غنى وفقراء يزدادون فقرا..." ...
إنها الأزمة حاضرة وبقوة ، ونعايشها كرها يوميا في حياتنا الفردية والجماعية ، وزاد كرهنا لها بافتقادنا لأمل الإصلاح الوجيه . بالمقابل أحبها المنتفعون الوصوليون وأسسوا لها ناديا أعضاؤه من اللوبي المصالحي / والانتهازي /النفعي ...
كيف يكمن أن نحارب الأزمة " الغول " بجميع القطاعات و لها زبانية غلاظ شداد ، النوم لا يلازم عيونهم وطرفها لا يرتد ... الأمر لا يخيفنا ولن يفزعكم ، فالدفع بالحرية إلى الأمام ، وحماية القانون بالمطالبة بالعدل والمساواة والكرامة ... ثم بالأيادي النظيفة ...، وبالفكر المستنير بالحداثة الكونية والثوابت الوطنية ... كل هذه الأمور هي من جند الحرية التي لا نراها بالعين المجردة ، والقادرة بالعزيمة والإخلاص الوطني على هزم زبانية حماية الأزمة .
الكاتب : | محسن الاكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2014-08-26 20:29:01 |