آخر الأحداث والمستجدات
قهوة ليلة الصيام
أرتشف قهوتي المسائية وحدي وبكل هدوء وسكينة ، الليلة ليلة صيام اليوم الأول من شهر الغفران رمضان .... المقهى فارغة من رواد كرة المونديال ... في زاوية مغلقة من فضاء المقهى عكف حبيبين على تبادل الابتسامات الاحتفالية ، وفي كل لحظة من غفلة الجالسين تسمع ضحكة مدوية من تجمهر لشباب اليوم حول براد شاي يتيم ...لا أعرف سبب الضحك ، ولكن أقر بأنه نزق الشباب الطفولي ، يفرغ عن الذات الثورية السلبية ... رن هاتفي وكعادتي أبحث عنه ،إلى أن أضع عليه يدي بالوصاية ... لا أعرف بالضبط رقم المتصل ، لكني أيقنت عند ملامسة الصوت لمسامعي أنها حبيبتي ... لم أستطع الرد إلا بلفظة " ألو" فانطلق صوتها بالسؤال عن أحوالي ؟ وعن غيبتي ؟ وعن حالتي الصحية ؟ تجمعت عدة أسئلة بالترادف المنطقي ...لكني في قرار نفسي ..أذكر لحظاتها الجميلة ، ترتسم بالتمام والكمال عبر نوستالجيا إحيائية أمامي ... نظرت ذات اليمين وذات الشمال كمن أراد الإفطار في رمضان عنوة عند قطعه للشهد،أوجني الورد ... ثم قررت البوح بالكلام المباح ...شكرت مكالمتها في "العواشر الرمضانية " ...واستلهمت من قاموسها الاجتماعي مجمل المفردات ذات السلطة الأولية في بدء الحوار ...
سؤالكم عن إسم حبيبتي، علامات استفهامه قائمة الحال عندكم . أحسست كذلك بتردده على شفاهكم منذ البوح بسرها . إنها " شعلة " إسم غريب عليكم أليس كذلك ؟حقا هي شعلتي في طفولتي . هي اليد السمحة التي تغفرعن نزواتي السلوكية . هي ذلك الأمل الذي تعلقت به في حياتي الفردية والجماعية ...حضورها بجانبي كان يغطي مساحة المكان بالفرحة ،وبشلال شمس أشد برد من نار إبراهيم علي ...كنت أيام ذاك أعتبر نفسي سلطان زماني ... فالحب يغطيني ويفترش لي جنة ورد ...هي ذي حياتي الماضية ....
أرجع إلى هاتفي ، وأتركم تتوسعون في مدى سعادتي ...قاطعت صوت حبيبتي الذي غلب عليه البكاء ... مناديا عليها " بالشقية " وهي الصفة التي كنت أحب أن أناديها بها عند يكون التوثر يمتلك دواخلها ... تنهدت حتى ضننت أن الهاتف زاد ثقله على يدي ومسامعي ...لكني أردت ان ادفع بشيء من علم الاجتماع والنفس الذي سكن قلبي عند الدراسة الجامعية ...أن أخرجها بلطف من قوقعتها المتجمدة بجليد الزمن الماضي ... أيتها الشقية أحن إليك ...أحن إلى الدفء الطري بجانبك ...أحن إلى لمسة شلال شعرك ...حين ذاك أيقنت أن روعتها بزوبعتها الأولية بدأ سحابها ينقشع ....
شعلتي ماذا حل بك ؟ سكتت حتى ضننت أن الهاتف نفذت بطارته ، لكنها افتتحت قولها بحبي الأول ...هنا سحبتني برفق إلى الخلف ثم عملت على شدي كي لا أقع عندما أتمت اللازمة وحبي الأخير ... لم تناديني بإسمي ، بل كان إسمي العائلي هو خطابها الموجه إلي ...ورغم أن الأعوام الخمسة من علاقتنا، فلم تذكر يوما لما كانت تتجاهل إسمي وتنقلني دائما الى صفتي العائلية ... رجة مدوية حين ذكرتني باليوم الذي حضرت إلى جلستنا المعتادة وهي منتقعة اللون ...حين ذاك جلست قاب قوسين مني ويدها مشدودتان ...ثم حكت أن خطيبا قد دق ببابهم يطلب الحلال ... بكت وعند ذاك لم أدرك مرجعية الأمر إلا من تيقني الأكيد أنها تحبني ... لكن لها اعتبارات أخرى لا داعي أن أعري عنها غطاء الماضي ...اه سادتي الكرام كنت في تلك المرحلة طالبا في السنة الثالثة بالجامعة ... للمرة الأولى تخاطبني باسمي هنا توقف تفكيري وانحصر بحالتها ...كم كان جميلا إسمي ينطق من طرفها بليونة القلب الخافق ...تنهدت وأكدت أن والديها قد قبلوا الخطبة ووثقوها بتلاوة "الفاتحة " مع الخاطب وباركوا الزواج ...ثم أردفت القول بأن إمكاناتي لا تسمح لي بالإقدام على خطوة الزواج ...ووضعت مجموعة من الاعتبارات ...الحق اليكم أبوح به لأول مرة لم أكن أستمع إلى تسويغاتها التبريرية وإنما سبحت في مكاني بعرق بلل ثيابي في عز البرد المكناسي القارس ، في عز جبني انذاك ... أنهت كلامها بخطاب رفق لحالي ... يا ولد الناس أفتيني في أمري هذا ؟ هنا ولأول مرة في حياتي أشعر بقلة حيلة اليد ...ماذا عساي قوله انتظريني ...فإلى متى ؟...تزوجي ...واتركي لي يدك اليمنى قليلا فهو خيانة لا أرضى بها لنفسي فبالأحرى لغيري ولحبيبتي الغالية ... هنا أعترف بأنها كانت أذكى مني ، وأسرع الى الحل بإجرائية منطقية ... قبلتني بمتم جبهتي ... ثم أخلت المكان بما فيه قلبي وزماني ...هي ذي قصتي مع شعلتي الضائعة بزمان انحسار الحب ...وأنا أحادثها شد انتباهي طالبة تحمل كراسة الدراسة المغلقة رغم ان الامتحانات على الأبواب دخول موسمها المتعب ... قدها الجسدي يماثل بقليل شعلتي ...هنا ارتبط الماضي بالحاضر وأشكل التوقيع على المستقبل الاتي ... رجعت بمسامعي التامة إلى حكي مخاطبتي حين صرحت لي أنها قد أنهت علاقاتها الزوجية بطلاق ثلاثي المرات ... وبين يدها طفل عمره بعمر زواجها ... وبعد ندامة الزوج قرر العودة الى أبنائه وحضن زوجته ... مع إعلانه التوبة التامة... من تم وبعد استشارة العدول أكدوا عليهم بضرورة تزوج المطلقة بثلاث "من محلل" ثم الطلاق والعودة الى الزوج الاول ....هنا فهمت القصد بمتوالية سلبية الماضي وقرار الحاضر .... خاطبتني :حبي هل أنت مستعد بالتزوج بي ثم تطليقي ؟ مع العلم أنها تعرف تمام العلم أنني لازلت عازبا ... لأنها تسكن مدينتي وتتبع أخباري ... سكتت ... واستحضرت ظلمي لنفسي ولها في الماضي ...ثم قررت تكسير حدودي الاجتماعية المعيارية وإجابتها بالقبول .... على الهاتف أحسست بفرحتها المطلقة وبأنها ترقص وشعرها منفك خصلاته ... ضحكت وأقحمتني في خانة أنني لا زلت أحبها وبحبها متيم ... بينكم وبيني سادتي الكرام لازال حبها يسكن دواخلي العاطفية ... ولأول مرة أقر بحبها علانية وبصوت مرتفع ...بقولي ...وإني أحبك ،إني أحبك ...لكن أخاف .... أقسمت أنها لا زالت وفية لعهد الحب الذي رسمناه سوية على شجرة الزيتون بوشم الحروف الأولى ... ثم عملت على إرجاعي الى مكمن السكون برفق حديثها ...من خلال أنها أرادت تذكيري بأن الحياة عطاء وأخذ ... وأنني قد أجد بنت الناس من تسكنني فردوس الحب والحنان ...ثم أكدت أنها لم تطلق ولو لمرة... وإنما إحساسها بالذنب نحوي ،هو من دفع بها إلى مها تفتي لتلتمس مني البحث عن حب جديد ...
اختلف ردي لها في تلك اللحظة ... بمخاطبتها سيدتي الشعلة وعيت خطابك وآمل لك العيش الكريم ...أتمت كلامها بمتمنياتها بقضاء رمضان كريم ...إنها قصتي اليوم مع حبيبتي الشعلة المدوية... والتي انتهت بسماع نفير الاعلان عن اقبال شهررمضان الكريم
الكاتب : | محسن الاكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2014-06-29 18:04:30 |