آخر الأحداث والمستجدات
الحزب الحاكم الذي حشر نفسه في ما شهدته أحداث العنف المدانة في الجامعة، مطالب بالمحاسبة و المساءلة
لا أحد ينكر ما ساهم به الفكر السلفي الإصلاحي في مسيرة مناهضة الاستعمار و ربط القيم الدينية بالمصالح الوطنية و تطلعات المغاربة للتنوير و التحديث و الحفاظ على الهوية المشتركة و المشاركة في بناء المغرب المعاصر. و باعتبار هذا الفكر أحد المؤسسين للنسق السياسي الحديث، ظل طموحه لإقامة الدولة السلفية حاضرا منذ نهاية القرن التاسع عشر، مرتبطا بالتجديد و التحديث و أعمال الحكماء و العلماء، و اعتماد الأصول العقلية- الشرعية. إلا أن التوترات السياسية المتتالية التي شهدها مغرب ما قبل وما بعد الاستقلال أججت صراعات مفتوحة بين كل الاتجاهات المتصارعة على الحكم و السلطة، و تأثرت البنيات التقليدية للمجتمع بسلوك نخب سياسية جديدة، فرضت على العلماء و رجال الدين و الفاعلين السلفيين الاقتراب شيئا فشيئا من السلطة و الجاه و المال.
و مع استتباب الإستقرار في بلادنا بعد الاستقلال، عملت أجهزة الدولة ووجهاء المخزن على إشراك الفاعلين السلفيين و أبنائهم في ممارسة السلطة كعمال و قضاة و عسكر و قواد و بشوات و أعيان كبار في أجهزة الحكم، كما عملت على المزيد من إبعاد الزوايا و تهميشها و ضرب نفوذها مقابل تفضيل بعض الشرفاء المخلصين ( من بينهم الأدريسيين و الفيلاليين و الوزانيين مثلا).
لكن طبيعة التشكيلة الإجتماعية المغربية، المركبة و المعقدة، عرت في العديد من المناسبات هشاشة إئتلاف المصالح و أججت الصراعات بين الأشخاص و المجموعات النافذة، و ذلك لغياب مشروع فكري، مجتمعي موحد و موحد.
لن نقوى الحديث في حيز كهذا، لقد باتت النتيجة اليوم معروفة، رغم استمرار الحاجة لمحاولة فهم الانتقالات التي عاشها المجتمع المغربي منذ على الأقل مرحلة الحماية الى الآن، مرورا بفترة ما بعد الاستقلال و كيف خرجت الكلونيالية من عالم السلطنة المغلق إلى عالم الغموض الذي أحدثته على مستوى المشاركة و الممارسة السياسية.
إنها مرحلة مفصلية من عمر تاريخ الفكر السلفي الإصلاحي و " الليبرالي" الذي غطي فترة طويلة من الزمن، إنها – كذلك - مرحلة القضايا الكبرى المتعلقة بالنقاش حول طبيعة النظام السياسي و قضية الملكية الدستورية في مرحلة ما بعد الاستقلال. كما لا يسع الحديث – هنا و الآن- عن خصائص و حيتيات هزيمة الأفكار القومية و الوعي العروبي القومي و الشوفيني، الذي عمر طويلا في البلدان العربية منذ أيام الإحتلال الفرنسي لمصر في 1789، بعد انتصار البنيات التقليدية و إعادة تمسكها بمفهوم المجتمع الإسلامي و الدولة الدينية.
و لأن النخب التي خرجت من رحم السلفية الإصلاحية و أتباعها لم تتأثر بالأفكار السياسية التي انتشرت في العالم بعد نجاح بعض الثورات الاوروبية، رغم انتشار الطباعة و النشر في المغرب و خارجه، و ظلت بعيدة عن المغرب العميق بمسافات طويلة، مرتبطة بقشور أفكار زعمائها، خادمة لرموزها، تابعة لنفوذها، و منبطحة لأغنيائها. و مع الزمن السياسي الرديء لم تستطع الحفاظ حتى على العلاقة الرمزية مع جذورها. و بدلا من المساهمة في بناء مغرب الحداثة و الديمقراطية، إرتمت في أحضان من لفظتهم الحركة الوطنية المغربية الأصيلة، ليعززوا أسطول التيارات الاسلامية التي اختارت بشكل من الأشكال التعامل مع السلطة ضد اليسار بمختلف فصائله و تياراته و ضد الفكر الحداثي الديمقراطي للحد من انتشاره في المجتمع.
إن أغلب القضايا التي طرحت على الإسلاموية المغربية - مثلا- منذ نشأتها، فشلت في الحسم فيها ما سهل إغراقها في الصراعات و التوترات حتى أصبحت موضع تساؤل بين التجارب السياسية الأخرى التي عاشها المغرب الحديث. و لأن الجامعة كانت في فترات طويلة من الزمن فضاءا شاسعا للفكر التقدمي التحرري و مدرسة لتكوين و تشكيل نخب مجتمعية حقيقية و بديلة عن النخب التقليدية الخنوعة، التقت مصلحة " المسخراتية" من الاسلامويين و مصلحة النافذين في نظام الدولة، و هكذا كان التكالب على الجامعة المغربية. و ما نعيشه اليوم، هو جزء من بعض ملامح جذور الصراع و الذي أدى الى نعيش سقوط ضحية جديدة بريئة، في مقتبل عمرها، زج بها في صراع بئيس و متخلف من أجل السلطة و من أجل حماية المتورطين في جرائم العنف و التطرف بغية أسلمة التعليم و الإعلام و الحياة العامة اعتمادا على القوة.
اليوم، لا المغرب استكمل مهام تحرير مناطقه المستعمرة و لا وقف تهديدات الخصوم و الأطماع، و لا المغرب نجح في ورش المدرسة النموذجية المغربية و دور الجامعة في التكوين و التأطير و الإنفتاح؛ و لا المغرب نجح في نموذجه الزراعي و الصناعي، و لا في خياره الإجتماعي و تغيير أسلوب الحياة. لكن و رغم ذلك، المغرب نجح في تفجير نقاش عمومي حول تثبيت العدالة الاجتماعية و دمقرطة المؤسسات و احترام الحريات و الهويات الثقافية. و ها هو الحزب الحاكم يريد الرجوع بنا الى الوراء في مسرحية رديئة الإخراج، تفرج عليها المغاربة حين تأبط رئيس الحكومة حامي الدين على يمينه و الوزير الداودي على يساره، ليمارس مع أنصاره من الوزراء و الأتباع قمة الانحطاط السياسي الذي شهده المغرب الحديث، و ذلك أثناء الحضور المزعوم لجنازة الشاب البريء الطالب الحسناوي.
فمع عجز الحزب الحاكم على إيجاد مداخل الانتقال إلى نظم مؤسساتية ديمقراطية و محاربة العنف و التطرف و الارهاب الفكري و الفساد ، ها هو ا يهرب إلى الأمام بظلامه الأسود في فضاءات العتمة و الجوع و الفقر، باحثا عن شعبية جديدة. و ها هو الوزير الداودي، وزير التعليم العالي، مهزوم يبكي و ينوح على ما ارتكبه من أخطاء جسيمة تتطلب منه الاستقالة الفورية إن كان يستحيى.
فبدل البحث عن تثبيت القيم المشتركة و العيش المشترك، سقط الحزب الحاكم في البحث عن المجد الضائع من دون أي محاولة لتجديد أ فكاره السياسية و من دون الالتزام بتطبيق ما وعد به المواطنين قبل أن يصل إلى سدة الحكومة. لقد استحلى ممارسة السلطة و لكي يثبتها، هاهو اليوم يدعو بطريقة ضمنية للصدام و الصراع و الانقسامية، و يفوت على المغاربة فرصة تنزيل القوانين الأساسية و إنقاذ البلاد من سكتة قلبية جديدة، خاصة في زمن لم يعد فيه الشرق شرقا و لا الغرب غربا، و لا القومية العربية نموذجا للإيديولوجية النظامية التي كانت تؤمن بالثورة انطلاقا من هوية قومية تتجاوز "المجتمع المحلي" بلغة الاستعمار البريطاني، و "العربي" بلغة الاسرائيلي، و "المسلم" بلغة المسجد و "الافريقي" بلغة الجغرافية. نقول هذا في زمن تستعد فيه "الإمبراطورية الروسية" الى إعادة "تحرير" نفوذها الشرقي في البلدان الشرقية.. و "الامبراطورية التركية" بتواطئ مع الدول الرجعية، تسعى لشرعنة نظام جديد، فشل أنصاره في المغرب في تحقيقه.
و أخيرا، إن الجامعة ليست مكان محايد، انه فضاء تربوي و سوسيو-سياسي و ثقافي، والحزب الحاكم الذي حشر حزبه في ما شهدته أحداث العنف المدانة في الجامعة، مطالب بالمحاسبة و المساءلة، خاصة أمام فشل الوزير الحالي في التعامل مع سيرورة التحولات المؤسساتية و البيداغوجية للإدارة الجامعية و لعموم الطلبة و الأساتذة.
الكاتب : | المريزق المصطفى |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2014-04-29 15:38:01 |