آخر الأحداث والمستجدات
الهدر السياسي
كم من الوقت ضاع منا و نحن نتابع مسار حزب وجد نفسه بين عشية و ضحاها في سدة الحكم، يحلل و يحرم ما يريد، يسب و يشتم من يشاء، يلهث في النهار و يسبح في الليل، يوهم المغاربة أن الخلاف يدور حول الدين و ليس حول مفهوم الدولة و سلطة الحكم و مرجعيتها، يعلق الدستور و القانون لأنه لم يقدم فيهما إجتهادا، يغطي عجزه باللغو ويقمع أي حوار حول البديل، يتجاهل مشاكل الناس و يزعم أن التشبث بالنصوص كافي للحكم على مشكلات المغاربة، يخلط بين القيم السماوية السمحاء من مبادئ و قيم و بين التلاعب بأرواح المسلمين و مصادرة حرياتهم، يستغل المساجد و المآتم و إعذار الأطفال و طقوس الأعياد لإعادة إنتاج التطرف الديني من خلال إستقطاب أبناء الوطن إلى فكره بحماسة جارفة و بلاوعي.
هذه بعض الأمثلة على صدقها لم يعد ينكرها أحدا اليوم، خاصة بعد ما تحولت شعارات السيد بنكيران و حزبه الى الدعابة و المهاترة و الهزل.
و لكن الأمر الذي يجب أن نعيره إلتفاتا خاصا هو كيف إستطاعت بعض الأحزاب الوطنية و التقدمية التعايش مع حزب لا يؤمن بالحداثة و ما بعد الحداثة. و في هذا نشاهد-عابرين- تراجع خطير على مستوى الإيمان بدور الفاعلين السياسيين و بتراكمات الذين أمضوا أزيد من نصف قرن في النضال من أجل الديمقراطية و الحداثة، و كيف إختلطت الأوراق
إذ ليست المسألة في التشويش على تجربة سياسة مغلفة بالدين أو عدم ترك أصحابها يشتغلون كما يقال في الشارع العمومي و فوق الأرصفة. المسألة أبعد من ذلك، حيث يتعلق الأمر بنقد جماعة تريد ممارسة السياسة بالفاتحة، أي من دون برنامج واقعي و من دون إستراتيجية سوسيو-إقتصادية، أو كما ما يقال " ممارسة السياسة بلا علوم".
إن الروابط السياسية التي أنتجها السيد رئيس الحكومة و حزبه مع محيطه الإقتصادي و السياسي، لا تنطبق عليها روابط التصورات و الأراء التي تنتج الوعي السياسي. كما أن السياسة بوصفها مجال العلاقات الطبقية، أضحت في بلادنا فضاء للانفعالات و العواطف و ممارسة النفاق الإجتماعي، و ماكينة لإعادة إنتاج العلاقات العبودية و التفاوت الإجتماعي و تعزيز سلطة "الدولة السياسية العميقة" و "السلطة الدينية الموازية" و تبرير سيطرتها، مما سيرفع من نسبة الهدر السياسى الى درجة كبيرة.
إن التغير الذي يعرفه مجتمعنا، و التغيرات التي شهدتها العلاقات السياسية المبتذلة، يتطلب قيادة سياسية جديدة منظمة على أرضية مشروع مجتمعي حداثي و ديمقراطي و ليس على أرضية مصالح سياسية ظرفية. حيث من المعلوم، و من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة، يتوجب على هذه القيادة الجديدة أن تشد الجماهير الكادحة و الفئات المضطهدة و غيرها الى المساهمة في البناء و توطيد العلاقات السياسية بين المكونات الفاعلة سياسيا و مدنيا.
لآشك، أن بعض العناصر المكونة للحكومة الجديدة ليس لها مبررات تحمل شيئا من العقلانية، و عليها أن تلتحق فورا بالصف الديمقراطي من دون البحث عن تفسيرات ذاتية لإقناعنا.
إن الرصيد العام لأغلب القوى التقدمية الحداثية، ليس رصيد أفراد أو عائلات. و الغيرة على الوطن و المستقبل ليست سوداوية، إنها فقط إرادة واقعية و غاية عظمى لن نتخلى عنها مهما كان الثمن، خاصة أمام الإختيارات اللاشعبية و اللاديمقراطية التي ينهجها الحزب الأغلبي و حكومته المغلوب على أمرها.
لقد إخترنا طريق التراكم الإيجابي و العمل الميداني بكل مسؤولية و عزم، و مواصلة الثورة الهادئة واضعين نصب أعيننا المصلحة العليا للوطن و حق الشعب المغربي في الحياة الحرة الكريمة. فلن نتردد اليوم، كما لم نتردد بالأمس، في المقاومة و السير بكل ثقة نحو إنقاذ البلاد من التدهور و التفسخ و شق طريق المستقبل بكل عزم و نضالية.
لم يعد هناك ما يغرينا.. جربنا المحن، و تجرعنا المرارة و قسوة النظام. تركنا البكاء و النواح وراءنا، و تملكنا حب الجماهير و نضالاتها اليومية.
المعركة اليوم ضد الهدر السياسي، و ضد القيود بكل أنواعها و أشكالها، و ما نريده هو أن ننمو بدل أن نثرثر.
نضالنا اليوم يجب أن يكون نضال وطني-ديمقراطي بإمتياز كمرحلة إستراتيجية متكاملة، تسعى لحل التناقض بين قوى الهيمنة و قوى التحرر.
هذه الأبعاد أصبحت اليوم قضية.. و عليه، لا بد من إتساع الحلف الوطني الديمقراطي ضد قوى القهر و الإستغلال و التخلف من أجل بناء التنمية و آليات الإّستقلال و التحرر.
الكاتب : | المريزق المصطفى |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2013-11-27 11:10:18 |