آخر الأحداث والمستجدات
إكراهات مكافحة الجريمة بالمدينة العتيقة بمكناس
تنقسم مدينة مكناس إلى قسمين أساسيين هناك المدينة القديمة la ville ancienne والمدينة الجديدة la ville nouvelle فهذه الأخيرة أنشئت من طرف المستعمر وفق تخطيط حضري منفتح، يتضح ذلك من خلال شوارع المدينة وأزقتها وطبيعة العمران ، في مقابل ذلك نجد مجال المدينة القديمة الذي يتسم بالدروب الضيقة والمظلمة والجدران المرتفعة والمنغلقة حيث لا تفتح هذه الدروب إلا في وجه ساكنتها.وهنا قد يبدوا هذا المجال غير منظم.
لكن لماذا تم تصميم المدينة القديمة على تلك الطريقة؟ هل يمكن القول على أن هذه المدينة بنيت عشوائيا أم كان هناك تخطيط عمراني مسبق بمعنى أن هذه المدينة خضعت لتهيئة قبل أن تخرج لأرض الواقع؟ ثم وفق أي هاجس بنيت هذه المدينة؟ وماهي اكراهات مكافحة الجريمة في المدينة العتيقة اليوم ؟
لقد تشكلت المدينة العتيقة وفق نمط تفكيري استحضر المقاربة الأمنية بشكل كبير، فإذا عدنا الى مرفولوجية المدينة القديمة نجد أنها محاطة بسور له أربعة أبواب،هناك باب البرادعيين في جهة الشمال، باب تيزمي في جهة الشرق، باب المنصور في جهة الجنوب، ثم باب الخميس في جهة الغرب وهذه الأبواب الى حدود الستينيات من القرن الماضي كانت هذه الأبواب تغلق في المساء حيث يجب على جميع السكان القاطنين العودة الى المدينة، ثم بالنسبة للأزقة فإنه تم تصميمها بشكل ضيق وبشكل دائري فهي لا تسير في الإتجاه المستقيم كما في التخطيط الجديد، ومتداخلة فيما بينها، وهنا يحضر مصطلح "الحومة " أي حام بمعنى دار بشكل دائري، حيث أن الغريب عن المدينة ليس بمقدوره الخروج منها بسهولة فهي تشبه المتاهة أي أن القاطن هو الوحيد الذي يعرف الأزقة المؤدية إلى الأبواب الكبيرة.
من خلال المقابلات التي تم انجازها مع ساكنة المدينة تبين أن طريقة التصميم كان الهدف منها هو الحفاظ على الأمن فإذا عدنا إلى الأزقة فإنها وضعت حتى إذا كانت هناك عصابة اقتحمت المدينة فإنه ليس بمقدورهم التجمع لأن الزقاق لا يتحمل سوى شخص واحد أو شخصين وبالتالي يمكن القضاء عليها بسهولة لأنها لا تملك إمكانية التجمع للهجوم. ويضيف المبحوث رقم 3 السن 71 سنة بائع أحذية " عندما جاء الاستعمار أضاف حراس الأحياء فكل حي له حارسه الخاص وبالتالي لم يكن هناك إشكال في الأمن، فكل شخص يقدم على ارتكاب جريمة في المدينة فإنه ليس بمقدوره الهروب منها لأن الأبواب الرئيسية تعرف حراسة دائمة.
إضافة إلى أنه كانت العائلات تعرف بعضها البعض حيث لا يجرؤ أحد على ارتكاب جريمة في هذا المجال بحكم الروابط الاجتماعية القوية التي تحكم علاقات الأفراد. لكن منذ السبعينيات من القرن الماضي أصبحت ظاهرة الهجرة القروية ترتفع في اتجاه المدينة العتيقة حيث نتج عن ظاهرة الهجرة خروج السكان الأصليون إلى المدينة الجديدة وبالتالي تم استغلال هذه البنايات التي تضم العديد من الغرف من خلال كرائها للمهاجرين من القرى إلى المدن فأصبحت المنازل تضم العديد من العائلات مما أحدث عدة اختلالات على مستوى السكن، وهو الشيء الذي زاد من حدة الإجرام نظرا لغياب العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، حيث تقلص مفهوم الجماعة لصالح الانعزال و الفردانية، دون إغفال معضلة البطالة التي أصبحت تهم شرائح واسعة من الشباب الذي لم تستقبله المدينة بصدر رحب.
بالنسبة للسؤال المتعلق بإعادة تهيئة المدينة القديمة خلال السنوات الأخيرة فإن المبحوثين جاء جوابهم على أن التهيئة التي خضعت لها المدينة لم تكن من أجل مكافحة الجريمة وإنما من أجل ضمان أمن السياح داخل هذا المجال، وهنا استوقفنا شيء مهم وهو أن الإنارة الجيدة توجد في الأزقة التي تتواجد فيها "الرياضات" ودكاكين المنتجات التقليدية في حين أن عمق المدينة تكاد تنعدم فيه الإنارة، يقول المبحوث رقم 1 السن 54 المهنة تاجر " في بعض الأحيان تنقطع الإنارة في الحي بكامله وقد يصل اصلاح الأمر الى شهرين رغم الشكايات التي يقدمها السكان". بالإضافة إلى أن الشرطة تتواجد قرب المداخل الرئيسية للمدينة طوال النهار لكن في المساء تعود إلى ساحة "الهديم "وهنا يترك المجال للمجرمين للقيام بأفعالهم الإجرامية حيث يستغلون غياب الشرطة في الليل وكذا انعدام الإنارة في السطو على ممتلكات الأفراد. وعندما توجهنا إلى أحد موظفي الوكالة الحضرية قال بأن المدينة القديمة لم تخضع للتهيئة وإنما إلى إعادة الاعتبار وذلك تماشيا مع إستراتيجية الدولة في الحفاظ على المدن التراثية وبالتالي فالهدف ليس هو تدبير الإجرام وإنما تلميع صورة المدينة حتى تصبح وجهة سياحية.
لذلك فسكان المدينة القديمة من حيث الأمن فإنهم يفضلون العيش في المدينة الجديدة، نظرا للتواجد الأمني المستمر سواء في الليل أو النهار يقول المبحوث رقم 3 بائع أحذية " الإحساس بالأمن في المدينة الجديدة أكثر من القديمة فقد تخرج في الواحدة ليلا في حي حمرية لكن لا تستطيع فعل ذلك في المدينة القديمة" لكن عندما سألناه لماذا لم تغادر إلى حي حمرية ؟ جاء الجواب كالتالي " المدينة جديدة خاصها طوموبيل كلشي بعيد عليك إلى جاك الضيف فالليل منين تجيب لعشا أما المدينة القديمة كلشي حداك ".
بالتالي فالمدينة القديمة اليوم أصبحت تعرف ارتفاعا في عدد الجرائم خاصة السطو المرفوق بالعنف،وكذلك مشاكل النمو الديموغرافي الذي يزيد من أزمة هذه المدينة التي لا يمكن أن تتسع نظرا للأسوار المحاطة بها وبالتالي فإن مكافحة الجريمة في هذا المجال تبقى رهينة بتدخلات السكان لحماية أنفسهم، في ظل غياب مقاربة أمنية تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة العمرانية لهذا المجال والتي من الصعب هيكلتها وفق المقومات الحديثة وبالتالي يجب تبني تقنيات السبق الوضعياتي من قبيل مراقبة الأحياء عن طريق الكامرا ت وكذلك تعزيز شرطة القرب ليس فقط لحماية السياح الأجانب وإنما أيضا حماية السكان من الإحساس باللاأمن.
الكاتب : | هيئة التحرير |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2013-11-23 22:40:04 |