آخر الأحداث والمستجدات
بنكيران أصغر من دستور 2011
لم أختر إعتباطا التعليق على ما جاء في كلام السيد رئيس الحكومة في جلسة الحوار الخاص الذي أجراه مع القناة الأولى ليلة الأحد الماضي، و الذي أبان فيه عن عنف دفين يسكنه اتجاه كل من يختلف معه في الرأي حتى و لو كان من أهل الدار أو من أهل السلطة الرابعة، و هذا لا يليق بمسؤول سياسي و برئيس حكومة، يدعي النزاهة و المصداقية.
يخضع هذا الإختيار كذلك، لمواكبة الخرجات الإعلامية للسيد بنكيران، الذي لما إكتشف مؤخرا "الزمن" في بعده المادي الملموس و جد نفسه متورطا في الوجدان: "يحب الخير و يفعل الشر" كما يقولون؛ يتغنى بالمصارحة و يسقط في الضبابية، يشغل نفسه بالشعارات أكثر مما يشغل نفسه بالإجتهاد، يتهم و يفزع، و يشرعن الإرهاب الفكري.. و هو ما عكسه المزاج و التوجهات المفضوحة و الأكثر فجاجة خلال لقاءه الأخير مع الصحفيين.
إن السيد عبد الإله بنكيران، يعرف المغرب جيدا و الذي من سماته الخاصة أنه ليس بلدا نفطيا، و لا غازيا، و ليس بلدا صناعيا، و ليس مهما بالنسبة للشركات متعددة الجنسية و الإحتكارات التي تشرف عليها البلدان الرأسمالية الكبرى.
المغرب، يعيش الملايين من أبنائه من الإقتصاد التضامني غير المهيكل و من الاقتصاد الاجتماعي المنتعش في الظلام، و هو ما يعرقل الظروف الموضوعية الناضجة لإقامة التغيير المنشود. لإن التغيير يلزم نضج الظروف الذاتية، و أبرزها وجود تنظيمات سياسية قائدة و قادرة على الحركة و متميزة بالديمومة و بقوة تأثيرها على القطاع العريض من الشعب المغربي.
و هذا الأمر واضح تماما، و أكدته العديد من القراءات السوسيو- إقتصادية للواقع المغربي، كما أن عشرات الشهادات تؤكد الإنقلاب الحقيقي الذي يقوده السيد رئيس الحكومة على الحكامة و الديمقرطية و على الدستور. فبدلا من أن يشرح للمغاربة مواقف أغلبيته و ما ذا تحقق في الميدان الإقتصادي و الإجتماعي، وجد نفسه متورطا أكثر من أي وقت مضى. فقد دعا بشكل واضح للتراجع عن المسار الديمقراطي الذي عززه الحراك المغربي الذي خذله و أقفل في وجهه أبواب "الدولة الدينية هي الحل".
و رغم ذلك، يخطئ من يعتقد أن بنكيران في نهاية مرحلة من عمره السياسي. و هو ما أكدنا عليه سابقا، ذلك أن جوهر الفعل السياسي الذي عبر عنه أثناء اللقاء الصحفي، تضمن ما هو خطير على حزبه و على الديمقراطية في بلادنا بشكل عام: و هو عزم‘‘ من جهات تحتضنه و تدعمه على المضي قدما في طريق نسف مسار الانتقال الديمقراطي، الذي كان المغاربة ينتظرون أن ينتهي بتحديد علاقة الحاكم بالمحكوم و علاقة السلطة بالمجتمع و التفاعل بينهما.
فمثلا، حينما يضع السيد رئيس الحكومة التيقنوقراط و الأحزاب السياسية في كفة واحدة، فهو يقول للمغاربة لا تهتموا بالسياسة، المهم هو تلبية الخواطر (خواطر الأحزاب و رجال الأعمال و النساء و غيرهم). إنها بداية معالم إجهاض تحقيق شروط التحول الديمقراطي.
إن تبرير العبث بإحراج الصحافيين من خلال تكرار ما من مرة لكلمة "جلالة الملك هو الذي..."، لا يشجع أبناء الشعب و خاصة الشباب منهم على المشاركة السياسية الفعالة. لقد نسي بنكيران يوم كان يطالب صباح مساء، الطبقة السياسية التي تعارض حزبه بعدم إقحام الملك في السياسة. فماذا تغير اليوم عند السيد بنكيران؟
لقد تبين اليوم بالملموس، أن بنكيران أصغر من دستور 2011، و علينا أن ننتظر زمنا سياسيا آخرا يزحزح العناصر التي تظل ثابتة و مستقرة ليكون لنا المعيار الأساسي الذي تقاس على أساسه درجة التغير.
لقد تحول السيد بنكيران في هذا اللقاء الصحفي من رئيس حكومة إلى محافظ على الأنساق التقليدية، و هو ما يؤكد عدم قدرته على تمثل مسار التحول السياسي و الإجتماعي الذي تشهده بلادنا، و عدم فهمه لميكانيزمات مؤسسات المجتمع الحديثة التي تثور كل يوم على العالم التقليدي المحافظ.
إن نعت الصحفيين بممارسة التأويل العبثي و السفسطائية و عدم فهم الديمقراطية التي نعيشها في المغرب، أظهر قوة استخدام السيد رئيس الحكومة للعنف الرمزي في حق هؤلاء الصحفيين، لكن في نفس الوقت بخس القوة التشريعية و المجالس التي ينتخبها الشعب.
إنه تعويض نفسي عن عجز سياسي...
الكاتب : | المريزق المصطفى |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2013-10-18 13:16:43 |