آخر الأحداث والمستجدات 

الاحتفاء بثقافة الموت الطوعي

الاحتفاء بثقافة الموت الطوعي

       البحث عن سياق تأصيل النظرة التطورية للمجتمعات الانسانية يحيلنا على روافد تناسق الثقافة ، والتي تتوحد كمتوالية خطابية / نصية /سلوكية نتقاسم من خلالها دلاليا  خبرات مشتركة  متجدرة في المعرفة البشرية و بها بالضبط ينبغي البدء.

        ومن تم نؤكد بادئ ذي بدء على الارتقاء الحضاري الذي فك قن أقفال الأبواب التي كانت الى حين غفلة موصدة بقوة التحصين ، مسالك جديدة فتحت قمقم الزجاجة لينطلق عفريت الالة الى كل نواحي الحياة . انها رجة الالة التي افقدتنا التوازن ،انها صدمة الحداثة المدوية على بنى الثقافة الحاضنة لكل مكون اجتماعي واحد او متشعب الامتدادات .

        لما الحديث عن النكسة الثقافية، بدل الايمان بالطفرة الكونية للثقافة العالمة ؟ ان الامر الذي نستوثق منه في حياتنا الجماعية والفردية هو التحول الاعتقادي من تقديس ثقافة الحياة الى تقديس ثقافة الموت وتهليل الاحياء بصنيعها .اختلطت الاوراق علينا وشق علينا امر ضبط التغيير وإرساء البديل الحداثي بمفهومي الحرية والعدالة  ، فمصفوفة حركية التغييرات العالمية  ضاغط بقوة على أنفاسنا ، ولا زلنا نبحث لحد الان عن موطئ قدم لنا يحمينا زلة السقطة التامة المدوية .

       ان خاصية البيئة التكوينية لكل مجتمع هو العينة الضابطة  التي تمكننا من القول بالوحدة المرجعية للثقافية او القول بالعولمة  الثقافية. فالكشف عن تشكيلات البناء الثقافي في بعده الكوني  يحيلنا على البيئة الاجتماعية المرجعية ومدى مطابقتها للوعي الجماعي كتعبير انساني صادق وواقعي ،او كرد سلوكي/اجتماعي موحل في الرمزية المعيارية وهذا الاخير هو المنزلق القاتل.

       والجدير بالقول ان الافراط في بناء فكر معياري بمؤشرات تفوق حد الطوباوية ، امر يجانب الفعل الحاضن للثقافة الحامية لقيم المجتمع ، ويشوش على وضعه داخل المنظومة الاجتماعية الواحدة او المتشعبة ، مما يفرخ لنا سلوكات سلبية وقيم انتحارية ، فلما يتم بناء تسويغ تمجيدي وصفي لثقافة الموت المزدهر بيننا ؟

      لا نستغرب فالمواقع الاليكترونية والجرائد حافلة بالأمر وتسابق  - بضم الحرف الاول - حدث اشعال النار في الجسد .لا يمكن الجزم ان ثقافة الموت انطلقت شرارتها من تونس البوعزيزية ، بل الامر حملت به نساؤنا كرها وفصامه أشكل علينا و قض مضاجعنا بقوة التحدي ، و الاستعباد الممارس على الفئات الاجتماعية بوضعها كرعية غوغاء . هذه هي ثقافة الموت التي  رعيناها منذ  المنشأ وتعايشنا معها ....

      فمن البديهي ان نصدر حكما قطعيا لمسالة ثقافة الموت حتى ولو كان حكم قيمة ،فلا توجد منطقة وسطى مابين الجنة والنار . الحقيقة اننا توقفنا بكل طواعية بتمجيد وتقديس ثقافة الموت ، وقمنا بتحنيط الجسد المحترق في افكارنا وخطاباتنا المكتوبة والمنقولة شفهيا كمومياء فرعونية شاهدة عن قتل النفس بغير حق ، ونسينا او تناسينا البحث عن الاحتفاء بثقافة الحياة ولو بالتفاؤل المستقبلي كوضعية لأضعف الإيمان ،  فإذا ما عملنا على تعريف المستقبل الذي ما يفتأ يجيء  فإننا نعرفه بالموت كحتمية نمتلك اسهمها في بورصة الحياة بالتساوي بيننا . بيد اني سأدفع بالأمر الى البحث عن التحول الاجتماعي الذي كرس ثقافة احراق الذات ثم تقديس الفعل من طرف الاحياء .

     لا اعالج الامر دينيا ، فالحرام بين والحلال ابوابه مصالح تضع النفس كقيمة موجبة الوجود بالحفاظ عليها . قد لا نختلف في ان الحرية والديمقراطية لا تمنح للرعية كصدقة ، بل هي مطلب جماعي يوطن دولة الحق والقانون، فالشعب هو من يحمي القانون ويدافع عنه ،والشعب هو من يحترم القانون وخرقه عنده جنحة ،والشعب هو من يستمد قوة مطالبه العادلة من الدفع بالمستبد الى تطبيق الحق بمواصفاته العادلة .

    اما ان كانت ردة الفعل قتل النفس ثم السعي الى تقديسها ،فإننا نربي جيلا يستبيح قتل نفسه ،ولما قتل الاخر... بكل اريحية وطواعية .هذه هي النكسة الحقيقية التي نعيش لحظتها الفكرية ، ولا زلنا نطوف حول حلقتها المفرغة بالبحث عن منفذ الاغاثة  .

    خلافنا في الطرح المفاهيمي الاولي  يمكن ان يوصلنا الى البحث عن ما هو العمل في ظل القهر والحكرة الممارسة على المجتمع  ؟

   لا ابتغي تكريس الوضع الراهن من استبداد / ظلم / انسداد للافق ...، ولكن ارفض اتخاذ  موقف تشجيع حرق النفس ، ارفض الاستسلام للموت بمحض ارادتي فما دمت افكر في التغيير فاني اثبت وجودي ، فعدما سئلت عن تعريف الانتحار ، لم اجد بدا من القول بأنه اشجع قرار(جبان ) يتخذه الانسان في حياته ، فلما لا يكون العمل النضالي اشجع قرار سلوكي وحضاري للدفاع عن مبادئ الديمقراطية وتوطينها بالقانون .

    لحد الان تمت الاطالة في الحديث عن ثقافة الموت وأهملنا  ثقافة الحياة ،لا اخفيكم فانسداد الافق الاجتماعي واختناق نمط التعايش السلمي ، فضلا عن التمييع السياسي والكفاف الاقتصادي وبالإجمال الوضع العالمي المتحول ...  كل ما قيل وما يجب ان يقال هو ما همش ذكر من يجب الاحتفاء به كرمز لثقافة الحياة .

فهل نحن نصطاد في مياه عكرة لثقافة الموت ام مياه نقية لثقافة الحياة ؟ الحق اقول ان امر الثقافات اختلطت علينا الوانه بين ثقافة معيارية تنظيرية وثقافة اجتماعية سائدة بقوة التداول والاعتقاد ، وأشكل علينا امر حلية – بكسر الحرف الاول - ثقافة الموت او الحياة . فالقول الفصل الذي لا محيد عنه هو طي صفحة ثقافة الموت نحو امتهان ثقافة الحياة بتقعيد لوازم امتلاكها في كليتها العادلة بموجب ما ضاع حق من ورائه طالب . 

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : محسن الاكرمين
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2013-09-24 14:27:22

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك