آخر الأحداث والمستجدات 

العنف المدرسي بالمغرب… من المسؤول؟

العنف المدرسي بالمغرب… من المسؤول؟

في مشهد صادم ومؤلم، اهتزت مدينة ارفود ومعها الرأي العام المغربي على وقع خبر وفاة أستاذة اللغة الفرنسية، التي كانت تدرس بأحد معاهد التكوين المهني بمدينة أرفود،يوم الأحد، متأثرة بجروح بليغة أصيبت بها إثر اعتداء جسدي خطير تعرضت له على يد أحد طلبتها، البالغ من العمر 21 سنة، في الشارع العام باستخدام أداة حادة . حادثة مأساوية تختزل حجم الانزلاق الخطير الذي تعيشه المدرسة المغربية، وتطرح من جديد، وبإلحاح، سؤال العنف الذي أصبح يتغلغل في مؤسساتنا التعليمية، ويهدد بنيتها التربوية وأدوارها المجتمعية.

 

ما حدث في بمدينة ارفود لا يمكن اعتباره حالة معزولة، بل هو تعبير صارخ عن واقع يتفاقم بصمت. فالإحصائيات الرسمية تشير إلى تنامي كبير لكل انواع العنف داخل المؤسسات (اللفظي، الجسدي ) دون الحديث عن مظاهر التحرش والعنف الرقمي والتخريب الذي يطال تجهيزات المؤسسات.

 

إن ظاهرة العنف المدرسي هي انعكاس لتحولات اجتماعية عميقة يعيشها المجتمع المغربي. فالمدرسة، التي كان يفترض أن تكون فضاء للتربية والتعليم ، أصبحت في كثير من الأحيان ساحة لتفريغ الاحتقان الاجتماعي والنفسي، وتستورد توترات الشارع إلى داخل أسوارها. أسباب كثيرة تقف خلف هذا الواقع، منها ما هو مرتبط بظروف اجتماعية كالفقر والتهميش والتفكك الأسري، ومنها ما يرتبط بتأثير الإعلام والتكنولوجيا الحديثة في ترسيخ ثقافة العنف والتطبيع معه.

 

من الجانب النفسي، كثير من حالات العنف داخل الأقسام الدراسية تعبر عن اختلالات أعمق: تلاميذ يعانون من الإهمال، من الضغط، من الحرمان العاطفي، أو حتى من اضطرابات سلوكية لم تُشخّص أو تُواكب. في غياب أي دعم نفسي داخل المؤسسات، يصبح العنف أداة للتعبير عن الذات، أو رد فعل يائس على إحساس بالرفض أو اللامبالاة.

 

أما تربويًا، فإن المدرسة اليوم تعاني من ضعف التكوين التربوي والبيداغوجي في ما يتعلق بتدبير العنف واحتواء التلاميذ. كما أن الاكتظاظ داخل الأقسام، وقلة الموارد، وتراجع سلطة الأستاذ، كلها عوامل تجعل من الصعب توفير بيئة آمنة ومحفزة للتعلم.

 

المدرسة، التي كان من المفروض أن تكون فاعلاً في تنمية المجتمع، أصبحت بدورها ضحية للأعطاب المجتمعية. كيف يمكنها أن تقوم بأدوارها في ظل ضعف التأطير، وغياب الأطر المتخصصة، وشعور متزايد لدى الأساتذة بالتهميش وغياب الحماية؟

 

إن ما وقع بارفود يجب أن يكون ناقوس خطر، يدعونا إلى تجاوز المعالجات الظرفية والترقيعية، والتوجه نحو إصلاح عميق يعيد للمدرسة دورها التربوي والتأهيلي. ذلك يمر حتماً عبر إدماج الدعم النفسي والاجتماعي بشكل فعلي داخل المؤسسات التعليمية، وتطوير المناهج لتغرس قيم الحوار والتسامح، وتعزيز مكانة الأستاذ تربويًا ومجتمعيًا، فضلاً عن انخراط الأسرة والمجتمع المدني بشكل فعلي في تربية الناشئة.

 

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الجميع مسؤول عن هذا الانحدار، كل من موقعه. الأسرة مسؤولة حين تتخلى عن دورها التربوي وتترك أبناءها نهبًا للفراغ والعنف. المدرسة مسؤولة حين تنشغل بالأرقام والبرامج وتغفل عن الجانب النفسي داخل التلميذ. الإعلام مسؤول حين يُشوّه صورة المعلم ويُطبع مع العنف في المسلسلات والمحتويات. المجتمع المدني مسؤول حين يغيب عن ساحات التأطير والتوعية. والوزارة مسؤولة حين لا توفر الموارد الكافية لتأهيل المدرسة، ولحماية أطرها، ولزرع الأمل في أجيالها. إننا جميعًا، كأفراد ومؤسسات، نتحمل جزءًا من المسؤولية في ما آل إليه الوضع، وعلينا أن نكون جميعًا جزءًا من الحل.

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : عادل بن الحبيب
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2025-04-14 11:42:02

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك