آخر الأحداث والمستجدات
جدارية مثيرة للجدل بأحد أحياء مكناس
منذ بضعة أشهر أقيمت جدارية بارزة بأحدى الجدران المجاورة لسينما "الملكي" سابقا، والمتواجدة ببرج مولاي عمر.
اللوحة كما تبدو في الصورة تشغل مساحة مهمة من الجدار، وتظهر شخصا محاربا بعضلات مفتولة، كما أن اللوحة تبرز فنية عالية لصاحبها، حيث تناسقت الألوان والدقة والجمالية التي لا يمكن أن يناقشها اثنان.
غير أن المثير في اللوحة هو مصدرها وإيحاءاتها ورسائلها، فالجدارية مأخوذة من فلم أمريكي صدر عام 2007 بعنوان "300"، أي ثلاثمئة محارب. وفكرته مستوحاة من معركة قديمة دارت بين الفرس واليونان.
بناء على رواية فرانك ميلر "300"، يحكي الفيلم رواية معركة الثرموبايلي (عام 480 قبل الميلاد) حيث
قاد ملك إسبرطة جيشه ضد الفرس. يقال بأن المعركة ألهمت جميع الإغريق الذين توحدوا ضد الفرس
وساعدوا على بناء أول ديمقراطية في العالم.
في المعركة توحدت ولايات ومدن الإغريق ضد جيوش الفرس التي أرادت غزوهم في معبر الثرموبايلي
الجبلي. قاد الملك الفارسي خشایارشا الأول أكثر من 100000 رجل، وواجه 300 من الإسبرطيين
و700 من الثرسبيايين. انتظر خشایارشا لمدة 10 أيام حتى يستسلم أو ينسحب الملك ليونيداس. استمرت
المعركة لمدة ثلاثة أيام وقتل فيها جميع الإسبرطيين الثلاث وأخبرهم بالقصة والوصية (تذكرونا). في المعركة خان أحد السكان الإغريق المحليين ويدعى إفيالتس وطنه عندما أخبر الملك خشایارشا عن طريق يؤدي إلى مدينة الثرموبايلي، وهو الطريق الذي سلكه الفرس الذين انتصروا في المعركة بعد محاصرتهم للإغريق.
إن خوض حوار عن الفيلم يستضمر أكثر من مغامرة، لأن مثل هذه الحوارات تأخذ إسقاطات سياسية تجعل من الإمساك بمغزى الفيلم -في ظلها- أمرا صعبا، فمعلوم أن هذا العمل قد حقق نجاحات باهرة، لكن بموازاة ذلك فقد خلف ردود أفعال متباينة خصوصا وأن عرضه قد زامن تهديدات واشنطن بالحرب على إيران فوجهت هذه الأخيرة على لسان الرئيس "أحمدي النجاد" اتهامات لهذا العمل حيث وُصِف بإظهار الفرس في صورة السفاحين الهمج المستعمرين، وهو أمر بالغ المخرج في تصويره، وبالتالي تشويه صورة المسلمين بشكل أو بآخر، وانه يأتي في سياق تشويه صورة إيران، وهي انتقادات قد تصيب في بعض الجوانب، لأن شعار هوليود دائما هو السينما في خدمة السياسة، لكن من زاوية أخرى فقصة هذا العمل بقصد أم بغير قصد هي ضد سياسة أمريكا الاستعمارية التي تنبذ كل أشكال المقاومة وتزرع في كل البلدان ما يمنع حدوثها، في حين نجد الفيلم في عمقه دعوة إلى مقاومة كل أنواع الاستعمار حتى وإن كان الطرف المستعمر يمثل إمبراطورية عظمى، وكذلك فالأسلوب الفارسي في المساومة هو شبيه بأسلوب أميركا "معي أو ضدي"، وتضحية ليونيداس بجيشه كانت درسا لدويلات اليونان من أجل التوحد -وهو ما حدث لاحقا- هي عبرة للأمة العربية التي لا تتقن إلا لغة الفُرقة، ومن هذه الزاوية يتضح أن هذا العمل يحتمل أكثر من تأويل بحسب المنطلقات التي قد نعتمدها في الحكم.
وإذا كان الفلم يحتمل كل هذا التأويل، وقد يسيء لصورة الإسلام، أو يحمل في طياته رسائل معادية، فإن رسم جدارية لتخليده بهذا الشكل يصبح أمرا غير مقبول، خصوصا وأن هويتنا وتاريخنا يزخران بالأسماء المجاهدة والمقاتلة من أجل رفع راية الإسلام والجهاد من أجل الوطن وحريته وانعتاقه في فترات عصيبة من تاريخنا القديم والمعاصر.
فمن سمح بتلك الجدارية في شارع عمومي؟ ومن قام برسمها دون الانتباه لتفاصيلها ومدى ملاءمتها لخصوصيات مجتمعنا وديننا؟ حقا لازلنا بحاجة للتدقيق في مسألة الهوية والانتماء وطبيعة المشروع المجتمعي الذي ننشده.
الكاتب : | سرحان |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2013-08-19 01:42:34 |