آخر الأحداث والمستجدات
معلمي الحاج سي الحسني بمدرسة الجبابرة في حي الزيتون القديم
جيل من الرواد والأساتذة الفضلاء، تتلمذنا على أيديهم ونحن صغار السن بحي الزيتون. كانت مدرستنا تضم اختلافاتنا الاجتماعية والأسرية بالتمويه والترويض. كانت مدرسة الجبابرة من الجيل الأول للمدارس العصرية بعد نيل المغرب للاستقلال. مدرسة الجبابرة كانت تقع وسط الحي بين العراصي والسواقي، وتستقطب روافد متعددة من التلاميذ (الجبابرة/ الروى/ باب كبيش/ زعير/ النقبة/ الشاوية...).
درسنا جميعا بالتنوع والاختلاط (قبل أن تفتح مدرسة سكينة بنت الحسين إناث). كان الفصل الدراسي يضم أكثر من (54) تلميذا وتلميذة، ولا أحد كان يتحدث عن الاكتظاظ، ولا عن فوارق السن في نفس الفصل الدراسي. الأهم كان الجميع بالكاد يجد مقعدا له بالمدرسة، ويفكك طلاسيم أميته الأبجدية والقرائية.
في مدرسة الجبابرة تعلمت رسم الحرف والكلمة وقراءة الجملة، وإتقان المحادثة ( اللغة التواصلية)، ابتداء من معلمي سي المريقي (أطال الله في عمره) في القسم التحضيري، بعدها تعلمت كفاية القراءة والحساب عند المعلمة زينب (رحمها الله) في المستوى الثاني. تنرست على اللغة العربية عند المرحوم المعلم سي الوداري (أب المعد البدني لمنتخب الأردن حسن الوداري)، هم رجال من طينة الوطنية والمواطنة الحقة.
في الصف الخامس والذي كان يعتبر نهاية للمرحلة الابتدائية بامتحان إشهادي، كان معلمي في اللغة العربية سي الحسني (أطال الله لنا في عمره) رمز الأب والعارف بالله. وأما معلمي في اللغة الفرنسية فقد كان المرحوم الاتحادي المبادئ (البلغيتي) أب ابن الحي (عبد الصمد). لن نقول: بأن جيلنا جيل من ذهب، ولكن أقول: بأنه جيل من نموذج ثورة المزاوجة بين التعليم العتيق في الكُتَاب (الجامع الأبيض / جامع سيدي امبارك عند فقيه المحراب والمنبر المرجوم سيدي إدريس)، وبين تعلم أبجديات التعليم الحديث.
معلمي سي الحسني التقيت به صُدفة اليوم قبلت رأسه و يده، وكأني لازلت طفلا صغيرا أبتغي رضاه وعطفه. سحب يده كما كان يفعل ونحن نريد تقبيل يديه في الصغر. التقيت معلمي بالحب والاحتفاء، والتقدير العلمي والمعرفي. معلمي بحق الله، أصيل وابن أسرة طيبة عريقة المناقب. سكن درب (السويقة القديمة) قرب روافد الزاوية التيجانية بالزيتون، باتجاه (الشراشر) يسارا. كان مسكنه عبارة عن (اجْنَانْ) أي منتزه فسيح الظلال، المترامي الأطراف بأشجار مثمرة، ولازال فقيهنا الحاج الحسني يسكنه ولم يغادر حي الزيتون البتة.
معلمي الحاج سي الحَسَنِي رجل فقيه وحكيم عارف بالله، رزين الطباع، هادئ ووقور، من جيل رجالات الفقه الميسر، والمقاصد الشرعية الاجتهادية. هو حامل لكتاب الله وإمام محراب ومنبر. ومُحدث بارع في حلقات الذكر والفقه التي كنا نَتَحلقُ بنهم حولها بمسجد الجامع الأبيض. بحق كانت حلقات الذكر والموعظة تقوم على أساس الفقه المالكي والاعتدال، والتأسيس للموعظة الحسنة. كان منبر الدرس الفقهي يتناوب عليه معلمي الحاج سي الحَسَنِي، والحاج التهامي منيب (ولد خالتي منانة) رحمهما الله، والحاج بن الطايع (الجد) رحمه الله. كان تلك الجلسات بين صلاة المغرب وأدان العشاء مدرسة لنا بالأخلاق السلوكية في حي (بوقطيب/ كراوة/ زعير/ الجبابرة...). نتلقى الدرس القرآني، و مورد السنة النبوية، والأحكام الفقهية العبادية والعقائدية والمعاملاتية البسيطة .
معلمي الحاج الحسني أطال الله لنا في عمره، تعلمنا على يديه النحو والصرف. أتقنا من خلال قيادته بالفصل الدراسي عمليات الشكل والإعراب والتحويل. أذكر أن صباح كل يوم الأربعاء، كان يمرُّ علينا مثل الحساب العسير في الإعراب والنحو البنائي. كان الجميع يَمرُّ بالسبورة ثم يشكل جملة ويُعربها بتمامها، كان دُعاؤنا جميعا أن يَسْقطَ دَوركَ في جملة يكون فيها الجار والمجرور أو التوابع السهلة في الشكل. كان معلمنا حريصا على تعليمنا عمل كان وأخواتها، وإن أخواتها، والأسماء الخمسة ... كان الزمن زمن قراءة (إقرأ) لأحمد بوكماخ (رحمه الله)، و امتداد الفصحى في اللغة العربية.
أذكر أن معلمي كان حريصا على تحفيظنا الحزب (54) سورة الرحمان وسورة الحديد وسورة الواقعة وسورة المجادلة. كنا نخاف أن نرتل القرآن حفظا أمامه بالخطأ، فقد كان يُلقي علينا العيب واللوم، فكيف لابن فقيه ألاَّ يمتلك حفظا ميسرا لهذه الحزب الميسر؟ وكم من مرة كُنَّا نرتبك وهو يشد بأيدينا الصغيرة، ويُنبها بلمسات إلى التتمة، ونوع الخطأ بالإعادة الفورية. اليوم كانت ذكرياتي مع معلمي سي الحسني وغيره بمدرسة الجبابرة قديما (ابن الرومي حديثا)، أتمنى من قلبي الصحة والعافية لمعلمي الحاج الحسني وغيره ممن علمني حرفا...
الكاتب : | محسن الأكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2024-03-02 18:49:19 |