آخر الأحداث والمستجدات
الثابت وليس المتحول في أثر تثمين قيصارية الحرير بمكناس
أولا اختلاف الرؤى والرأي رحمة، وقيمة الإحساس بالجمالية تمتد عبر مستويات متباينة على عدة اعتبارات متداخلة. فإذا كانت عمليات الترميم والتثمين قد لاقت ترحيبا واسعا بالمدينة السلطانية مكناس، فإن نفس البرنامج قد أفاض سيلا متنوعا من الملاحظات والانتقادات التي طبعا تستهدف التصويب أولا، لا الردم والتحطيم !!
برنامج تثمين المدينة العتيقة تابعنا قضاياه منذ التوقيع الأولي بين الأيدي المولوية السامية بمراكش. تابعنا كل صغيرة وكبيرة من البرنامج بصفتنا الوصفية لا الاختصاصية. فكم من مرة كُنَّا نروم إلى تقمص الصمت حكمة، وعدم التشويش عن بعض الإكراهات المستجدة بالدوام. وفي مرات أخرى أفرزنا رؤى متنوعة، الاهتمام والنقد البناء، و خلقنا حلقات النقاش والفكر، وتَبْيين نوعية ونسبة الإشادة والملاحظات من المنتوج النهائي.
من القضايا التي لا أحتمل ثقلها كرها، حين يكون الرأي والملاحظة يأتي من صنف المطلق (الكلي) بالصدق، ولا يحتمل الخطأ !! من القضايا التي لازمت البرنامج منذ البداية، تلك الملاحظات المتناثرة (هنا وهنالك)، وكأننا نمتلك المعرفة التاريخية العمرانية المطلقة بمدينة مكناس، والآخر في غفلة من أمره !! نعم، بمكناس قد يكثر البوليميك في الرأي الأحادي، ولم نلزم يوما أنفسنا القعود وصناعة التوافق اللين بالبينة والبرهان، و احترام التفكير المسموع والمكتوب. بمكناس يمكن أن ننتج المشاكل المعقدة، وفي نفس الوقت نتوصل إلى إيجاد حول لها، وهي ميزة التفكير المنهجي.
أرجع لزاما إلى قضية قيصارية الحرير (بالصاد وليس بالسين)، من حقي كمواطن بسيط أن أُشيد بالمنتوج ، من حقي إبداء مجموعة من الملاحظات و الخلاصات من نهايات برنامج تثمين المدينة العتيقة لمكناس. فهي المنهجية التاريخية التي علمتنا أن (رأيي قد يحتمل الصواب وقد يرسب بالخطأ) وهذه الميزة لا تضرني، ولا تفسد للود اختلاف، ورمي الآخر بالعوز التاريخي أو المعرفي هو نقد سلبي، ويجانب علمية النقاش.أكرر اليوم، بأن قيصارية الحرير في حلتها الجديدة تحفة بالجمالية، أُؤكد أن احترام معايير عمليات التثمين بالقسط اللازم، كان بسبب تدهور وضعية القيصارية البنائية (تَلَاشَتْ) وتهاوت.
قد يقولون: بأن القيصارية قد تم إعادة تثمينها بالتجديد، والذي لا يدخل في خانة التأهيل والترميم. يقولون: أن عمليات التأهيل والترميم لم تحترم بعض المقاسات السابقة لقيصارية الحرير. يقولون: وفي قولهم احترام تام لرأيهم السديد، ومرجعيتهم التاريخية العمرانية، ولكنا نؤمن بأن استنساخ المورد العمراني التاريخي (فُوطُو كُوبِي) بنفس المعايير، وبنفس الوسائل، وبنفس المقاسات الأولية، وبنفس المواد الأصلية، لن يتم كما هو (أحب من أحب، وكره من كره)، فلا يمكن أن تسبح في النهر مرتين (مقولة فلسفية) !!
هو التجديد والإحياء الذي يتم الاشتغال عليه لإعادة الشواهد العمرانية التاريخية إلى الحياة الحاضرة (حلة جديدة وليست بنية تاريخية). هو السهر على إنجاز جودة التثمين أولا وأخيرا، وليس كما كان الترميم سابقا.
قد لا نختلف البتة، حين نُعلن أن سقف سوق قيصارية الحرير بقي بدون البرشلة الخشبية التاريخية، وهي التي تَحْفظ القيسارية من التآكل والتدهور وتزيدها جمالية. قد لا نختلف، إن حَملْنا هذا المطلب جماعيا للمسؤولين، ونادينا بضرورة إنشاء البرشلة كما كانت سابقا، لتدعيم بقاء عمليات التثمين ممتدة في الزمن والمكان المستقبلي.
قد لا نختلف لماما، في هذا المطلب العادل الأنيق بالرؤية والترافع، والذي من خلاله يُمكننا من المقارنة بما أنتج من تثمين قي القطب الأول بالجهة، وما يتم إنتاجه بمدينة الأثر العمراني الملكي القطب الثاني .رفقا بالمدينة، وبعض المرات، ولو بالقلة حتى نتجنب جلد الذات (العليلة) بالإكراه والتعسف والتسويد. فالمدينة جزء منَّا جميعا، ونتقاسم العيش فيها، وقد تُطالبنا بالرحمة وتثمين رؤيتنا نحوها حتى بالفرح الوصفي، وبمثل أثر قيصارية الحرير في حلتها الجديدة.
فلم تكن القضية الأولى عندنا تحدي القيمين عن عمليات الترميم والتأهيل لمشاهد عمرانية من تاريخ المدينة، وفق (عملية تكسير العظام الهشة)، بل القضية كانت تروم برأيي المتواضع في بناء الثقة بين المسؤولين (وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس/ فرع مكناس ADER-Fès)، وبين مجموعة من المتتبعين للشأن التاريخي والمحلي للمدينة والخبرة المحلية، وهم بالطبع لذيهم رؤية وبعدا حضاريا رزينا. القضية، في تسويق الشفافية وتغييب (تُوبْ سُوكْرِي/ TOP SECRET) عن مشروع التثمين. القضية، في التشاركية التفاعلية مع جميع الآراء وصناعة منهجية الاحترام المتوازي. القضية، في صناعة الالتقائية بين المجال العمراني العتيق والتهيئة الحضرية بالمدينة. القضية، في فتح نقاش عام وشفاف حول كيف إعادة التوظيف الأمثل الذي يجب أن يُجانب الصورة الفولكلورية. القضية الكبرى، في الاشتغال على البرنامج التكميلي الأول لعمليات الترميم بمنطق التوسيع والنظارة.
الكاتب : | محسن الأكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2024-01-21 12:46:14 |