آخر الأحداث والمستجدات 

فسحة من صيف : من لوزيعة إلى التويزة الجماعية...

فسحة من صيف : من لوزيعة إلى التويزة الجماعية...

التكافل الاجتماعي:

 

حين نتحدث عن الدولة الوطنية بالمغرب الممتدة في التاريخي الحضاري، فإننا نعتز بالبناء والتماسك الاجتماعي، وتكون لنا الفسحة الشاسعة على استعراض أقساط حية بالتوارث والتواتر، آتية من حضن تاريخ الشفهي (اللامرئي)، ومن كم الممارسات التي يفوق أثرها اثنا عشر قرنا.

نتحدث عن شعب التكافل الاجتماعي بين الطبقات الاجتماعية المتنوعة. نتحدث عن مجموعة من العادات، والأعراف القبلية (الدائرية) والتي لازالت حية التداول، وتلقى الاستمرارية، وتحضر ضمن ملحقات التراث اللامادي والقيم التضامنية (الفلكلور/ الحكمة الشعبية).

 

(لوزيعة) في الماضي:

 

 من العادات الاجتماعية التي لا تقتصر على حدود جغرافية المملكة المغربية، بل تم تصديرها إلى دول الجوار الإفريقية عادة (لوزيعة). وقد تختلف التسميات بين المناطق (السهمة) وباللغة الأمازيغية (ثمشريط)...(لوزيعة) عادة ومناسبة تضامنية في ( السراء والضراء) وباختلاف الطبقات الاجتماعية، إنه نوع من التكافل في عدة مناسبات تتسم بالأفراح والمواسم الدينية.

(لوزيعة) عبارة عن شراء الذبائح المليحة، وتوزيع لحمها مجانا على المحتاجين والفقراء، ومرات أخرى تمثل نوعا من الاقتصاد التضامني حين يتم شراء الذبائح من مال الجماعة وتوزيعها بعدد (السهمة)، و أنصبة الاستحقاق في المشاركة.

 

(لوزيعة) في ذات يوم:

 

(لوزيعة)، اليوم باتت من صنف الذكاء السياسي والاصطناعي. باتت من باب تطويع المكر والخديعة واقتسام المغانم، باتت من (النزوقية) و(العياقة) ومعرفة من أين تؤكل الكتف الرطبة، باتت من (الفياقة) الحربائية التي تجنب المساءلة والمحاسبة.

 

(لوزيعة) النووية، أصابت أراضي المعمرين الكبار بعد الاستقلال بالفتنة و(التَّشَنتِيفْ)، أصابت آلاف الهكتارات لتلك الشركات الفلاحية التي أنشأتها الدولة وأفلست بطبع إفلاس القطاع العمومي، وبعدها سال عليها لعاب الإقطاعيين الجدد (للتفكيك)، ويد المعمرين (الجدد) لتشتيت الملك العام وخوصصته، وتوزيعه إربا إربا بالامتيازات، وتمليك الحظوة التناسلية.

 

(لوزيعة) في ذات يوم، تخلت عن الموروث الشعبي التكافلي، وباتت تنتعش مع الوصوليين الانتهازيين، ومع جهابذة الريع (حلال) وغوامض الأمور الفاسدة، والذين لا تمسهم المحاسبة. (لوزيعة) في ذات يوم، تماثل حين طاف (التَّتار من جنس المغول)، من المقاولين الجددد والمنعشين العقاريين (أخوية لوبي العقار الذي يبيض الذهب) والتي أتت على اليابس والأخضر من الأراضي الفلاحية، ونشوء (مافيا) العقار الذين اغتنوا من (الياجور)، وصناعة شقق (علب السردين) الحاملة للانفجار الاجتماعي (النووي).

 

(التويزة) القديمة :

 

قد نكون من مُحورِي قصص التاريخ اللامادي، إن نحن أغفلنا المرجعية لكل من مصطلحي (لوزيعة) و(التويزة)، ولم نقر بأن هذا الأثر التضامني والتكافلي هو من القيم الاجتماعية لمجتمعات المغرب القديم. إنها عادات أمازيغية أصيلة تم إدماجها ضمن المنظومة الأخلاقية الإسلامية على اعتبارات منسوب القيم والسلوك الريادي في تحقيق مقاربة العدل، وتزكية مجتمع التآزر لتقليص الفوارق بين الغنى والفقر.

 

(التويزة) ممارسة تضامنية اجتماعية، وتكرس ثقافة التكافل والتطوع. تمثل (التويزة) اللحمة الاجتماعية والتماسك (القبلي) والتعاضد. وإذا كانت (التويزة) تمثل الاجتماع المؤقت لتحقيق هدف مشترك موضوعاتي ( التضامن في إنهاء منسج زربية/ التعاون في الحرث والحصاد / الاجتماع على فَتْلِ الكسكس...)، فإن (لوزيعة) تحمل مفهوم القسمة العادلة.

 

 ومن بين الملاحم الخالدة، حين أعلن المرحوم الحسن الثاني عن موسم الحرث، عندما تأخر موسم المطر في ثمانينات القرن الماضي، وحين أمطرت السماء، أعلن الملك الراحل عن موسم الحرث الجماعي، وحث كبار الفلاحين على استعمال آليات الحرث (الجرار) في أراضي الفلاحين الصغار. إنه بحق عبقري الملوك، وصاحب الملحميات المخلدة للتاريخ المغربي.

 

(التويزة) في ذات يوم:

 

قد لا تختلف (التويزة) عن عادة (لوزيعة) حديثا، حين تمت ممارسة مستندات (التويزة) الإستراتيجية من طرف لوبي التحكم في مصائر العباد والأرض. حين مارست شركات المحروقات (التويزة) على جيوب المواطنين. حين يمارس السماسرة الكبار والمنتفعين من ريع السياسة و(شناقة) الأسواق الكبار (التويزة) على رزق الشعب، والزيادة في الهوة السحيقة بين الفقر والغنى، وقتل الطبقة الوسطى، وتغييب فصل (التضامن) الدستوري.

 

اليوم، باتت (التويزة) لها دلالات أخرى سلبية، وتستعمل في عالم السلب والنهب والإجرام المشترك والاغتصاب... اليوم، لا نحتاج إلى مفهومي (لوزيعة) ولا إلى (التويزة) على اعتبارات التحولات غير السوية التي أصابت المفاهيم التضامنية الوطنية، وبروز أسهم الانتهازيين الجدد لمصائب العباد. اليوم، (أعطيني حقي الدستوري) و(خليني) أعيش الكرامة والعدل والمناصفة، أعطيني حقي من وعود (الرفاه للجميع !!). اليوم لا تمدني بالسمكة الميتة، بل علمني كيف أصطاد رزق يومي وأسرتي بأنفة كرامتي الحية.

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : محسن الأكرمين
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2023-08-14 23:39:50

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك