آخر الأحداث والمستجدات
فسحة من صيف: خربوشة وصناعة فرجة البحث عن الكرامة
خربوشة:
خربوشة (لقب شاعرة الزجل الشعبي) والعيطة العبدية، والتي خلدت تراثا لاماديا (شفهيا) بقي في الذاكرة الوطنية والفنية. زروالة أو لكريدة ( ذات الشعر المجعد)، أو حويدة (حادة) الغياتية، أو (حادة ) الزيدية هي مجموعة من الأسماء والصفات اللاصقة بالنعت، وتُفضي حتما إلى اسم رائدة انتعاشة العيطة. كان غناء خربوشة يُنتج قيم الجمالية / الفنية، وأخلاق الرعاية الفضلى لأفراد قبيلة. كانت خربوشة تصدح بصوت الحرية، وبناء الوعي القبلي، وتحريك سلوك فورة الثورة على الظلم الذي يمثله القايد عيسى بن عمر العبدي . نَبْضُ لسان وقلب المغنية تسمعه من خلال كلماتها الدالة والمعبرة بالتحفيز وتحقير الظالم، ولا يمكن لأي أحد أن يردد كلماتها دون أن ينبض قلبه بالتوازي مع بحتها القروية، ويعيش لحظات مع مجمع ليالي العيطة.
أغاني المقاومة:
واجهت خربوشة باللحن والعيطة ظلم القايد عيسى بن عمر والذي طغى وتجبر واستبد بالأرض والعباد. كان مشروع أغانيها يَنْضُجُ مع رؤية مسار حياتها المتمثل في إعلاء صوت التحرر من (الحكرة) والقهر، ونصرة القبيلة. لم تصمت خربوشة حتى في مجالس قوم العلية، فهي تغنت وأطربت، وأبدعت النقد اللاذع بلحن شعبي، وصوت يشد القلوب والأحاسيس (وافينك آ عويسة فين الشان والمرشان؟... شحال غيرتي من عباد؟... شحال صفيتي من سياد؟... بلا شفقة وبلا تخمام...حرگتي الغلة وسبيتي الكسيبة... وصگتي النسا كيف النعام... يتمتي الصبيان بالعرام... يا قتال خوتو يا محلل الحرام...).
فقد كانت جل كلمات أغانيها تحمل الهجاء بقنابل المقاومة المسيلة للدموع، ومكافحة ما تردى من السلوكيات من قبل القايد (تعديتي وخصرتي الخواطر... ظنيتي القيادة للدوام... والجيد متبقالو شان... والرعواني زيدتيه الگدام... سير آ عيسى بن عمر... يا وكّال الجيفة، يا قتال خوتو يا محلل الحرام...). خربوشة الزروالية كانت تحمل مخيلة جريئة، لا تداري مشاعرها تجاه أبناء جلدتها (أولاد زيد) من القبيلة المنهوكة بانتفاضة (عام الرفسة).
انتفاضة:
لم يكن فن العيطة الغنائي عند خربوشة إلا ذاك الانعكاس الأمين لحياة المواطن (ة) المغربي(ة) في ظل (سيبة) القايد عيسى بن عمر. إنه لون غناء الطبقة البروليتارية والمقاومة الشعبية. إنه أدب شعر وفن شعراء أولاد الشعب (استخدمت الشعر لنصرة قومها، وسلّطت لسانها لتنتقد ممثلي المخزن بأعلى صوت، قبل أن يتمّ إسكاتها). ففي ظل فوضى الاستبداد، وتنصيب وتعاظم شأن الحمقى بكراسي (الجبابرة)، لم تخف خربوشة حقدها على القايد عيسى بن عمر وأتباعه. وكان من الضروري صناعة نقطة مواجهة حتى وإن كانت في رمزية دلالات كلمات أغنيات الزايدية.
كانت خربوشة ورغم الأمية الأبجدية مجادلة بليغة في توصيل أفكارها ورأيها الثوري، وتمتلك مخيلة في الإبداع الشعري (الهجاء بالعامية)، ولا تخشى لوم لائم، ولا قضبان سجن القايد عيسى بن عمر العبدي (ورا حلفت الجمعة مع الثلاث ... يا عويسّة فيك لا بقات). كانت بحق كلماتها تسجل في سلم زلزلة حكم القائد الطاغية، وكانت توعدته وآمنت بنهاية سلطته، إلا أنها خلدت اسمه في الحكاية التاريخية، وكانت نهاية حياتها على يده. حقيقة لا مناص من ذكرها فقد عاشت خربوشة في فترة زمنية حالكة من تاريخ أزمات المغرب المتقطعة.
الكاتب : | محسن الأكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2023-08-09 17:18:56 |