آخر الأحداث والمستجدات
مكناس : مخاضُ قطراتِ لؤلؤٍ قد تُنجبُ وادي احتضار المستقبل
ربورتاج من إعداد: فاطمة الزهراء البعاج \هدى لشكر وبوعبيد أحمد
عن مؤسسة: غوستاف إيفيل
منجم حياة بأنامل بشرية
في طفولتنا القريبة سمعنا كلماتٍ رنانة ومألوفة (مولانا نسعاوا رضاك وعلى بابك واقفين من يرحمنا سواك يا أرحم الراحمين ) ردَّدتْها جميع ألسُننا ظناًّ مِنَّا أنها أُنشودة دينية أو ابتهال وكثيرا ماقال الكبار في تضرُّع وتودُّدٍ طالبين الغوْث والعوْنِ من الله لأنَّ الأرضَ أَجْدَبت (اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك واسق بلدك الميت) بنُهانا الصغير تساءلنا .هل البلد أيضا يموت؟ تراه يخضع لسِيميَائِيَّة الرحيل؟ هل الأمر يستحق كل هذا الرُّعب أم أنَّ الكبار كعادتهم يبنُون صَرْحَ أسوار وإمبراطوريات المستقبل على شُعَيْرَةِ الحذر والقلق المؤرقَيْن.
"وكان عرشه على الماء"
قبل خلق السماوات والأرض تَفرَّد عرشه تعالى بالوجود بمَعِيَة الماء لا أمطار تنزل من السماء ولا نَبَاتَ يخرج من بطن الأرض. ترى إلى أين رَحَلَتْ كل هذه المياه؟
زيارة حياة بحثا وتنقيبا عن منبع الحياة
حملنا العتاد وفي جُعبتنا سَيْل جَارِف من الأسئلة قاصدين منجم اللؤلؤ الأبيض "محطة معالجة مياه عيون بطيط وربيعة" التابع للمكتب الوطني قطاع الماء بمكناس.
مكناسة الزيتون بلدتنا المسجلة كتراث تاريخي عالمي من طرف اليونسكو منذ 1996 وهي من الأمصار القديمة بالمغرب أسَّسَتها قَبيلةٌ أكَّد بعض المؤرخين أنها قبيلة المكنيتيين الاغريقية حيث أسموها "بفرساي المغربية" وعشق السلطان إسماعيل عرفت بأسوارها ومخازنها الهائلة للماء والطعام ليظل سكانها على قيد الحياة في حالة الحصار.
بمساحة هكتار نضمن حياة أميال وأجيال
أسست محطة اللؤلؤ عيون بطيط وربيعة في يونيو 2012 على مساحة هكتار واحد، فالموقع محطة التقاء صبيب قنوات المياه مُتَكَبِّدَة مشقة السفر من عيون ربيعة و بطيط ، يحتاج الأمر إلى تكاثف المياه الجوفية .لكن وكما تقول القاعدة إذا حضر الماء بطل التيمم ُ، في حالة وجود تساقطات ينقص الضغط على الموارد الجوفيه خاصة في احتياجات القطاع الفلاحي لكونه يستهلك حوالي 10 بالمائة من 85بالمائة من المياه الصالحة للشرب ،وبالتالي تحمل على كاهلها التساقطات مسؤولية تزويد الفرشة المائية السطحية والجوفية باللؤلؤ الأبيض ليزين صدر قلادة صبيب العيون والأنهار به.
بالنسبة للمياه الجوفيه يتم تزويد مدينة مكناس انطلاقا من مجموعة من حقول الالتقاط حقل التقاط الحاج قدور ، سايس ،وحقل التقاط راس الماء بمجموعة من الأثقاب التي يتفاوت عمقها ،على سبيل الذِّكر لا الحصْر: عمق حقل الالتقاط الحاج قدور يتراوح بين 200 إلى 300 متر في حين عمق حقل الالتقاط براس الماء يصل الى 900 متر مما يُوَضِّحُ تراجع الفرشاة المائية عبر الزمن ،فمثلا فرشة سايس المائية تتراجع ب 2 الى 3 متر سنويا، فكلما سافر الماء هربا منا الى بطن أُمِّنَا الأرض استدعى الأمر تكبُّد عناء الحفر واللحاق به مما يستوجب الرفع من التكلفة والطاقة بغية جلبه .
صياغة عُقد اللؤلؤ الأبيض
لتزويد المدينة بالمياه الصّالحة للشّرب تجنَّدَ بعين المكان ثمانية خبراء يشرفون على حياة مدينة وصياغة قطرات لؤلئها في أحسن صورة بمساعدة عمال آخرين كل حسب وظيفته، في زيارة قمنا بها لعين المكان لتتبع مراحل معالجة وتطهير الماء الصالح للشرب ،وبترحيب من المسؤولين هناك تمَّت معاينة المراحل التي تقطعها قطرة اللؤلؤ لتصبح صالحة للاستعمال .والمحصورة في أربع: مرحلة إزالة الأوحال، مرحلة التصفيق ،مرحلة الترشيح وأخيرا مرحلة التطهير والمعالجة فينتقل الماء مسافرا ملبِّيا رَغْبَةَ هذا وذاك ليسْتقرَّ بخزانات الوكالة فيُهدَى كنسيم حياة إلى المستهلكين .
"وجعلنا من الماء كل شيء حي"
لن يقبل لؤلؤنا الأبيض أن يكون مجرد مادة بل يرفض تقمُّصَ تعريف واحد،هو مصدر الحياة ،منبع الأمان ونَفَس كل استمرارية تلك هي حبيبات لؤلئنا وقطرات ندى مائنا ما خُلِقَ الكون عبثًا ،وحاشا لله ان تحتاج المعادلة الفزيائية للمولى إلى موازنة ،خلقَ الأرض بمياهها الكافية وحاجة كل كائن حي ،ودورة المياه منذ القدم كلنا يعرفها بطريقة بسيطة حيث تنطلق من باطن الأرض مياه جوفية بحار وأنهار لتحتضنَها سُحب السماء صانعة منها ببرودتها بلورات مطرية ثلجية أو بَرَد فتُعيدُها إلى مقرها آمنة مطمئنة مستعدة لإعطاء حياة لمن على الكوكب .ترى هل لِلُّؤلؤ إمكانية مغادرة الكوكب الى كوكب آخر سؤال غريب والجواب سيكون ،هذا إن كان ! لامحالة أغرب.
المحافظة على الطاقة المائية تستوجب ترشيد استعمال الماء هذا جزء بسيط فقط من المعادلة: فإنتاج كيلو غرام مثلا من اللحم يحتاج الى 13000\15000لتر من الماء. مع التأكيد على كون النمو الديمغرافي يساهم في ارتفاع حاجيات السكان ،إضافة إلى تحسين ظروف العيش ففي السبعينات مثلا كان الفرد يستهلك من 10 إلى 20 لتر في اليوم وحاليا في دراسات أجريت بمكناس يستهلك مامعدله 110 لتر. إذن فحاجيات الساكنة للماء في تزايد مستمر مما ينتج هرم خوف بداخلنا حول مدى تحمل الفرشاة المائية، على الرغم من كون المكتب الوطني ارتأى العودة إلى مصادر مؤمنة لتزويد المدينة بالماء كسد ادريس الأول الذي يضم حقينة كبيرة تقدر ب1.3 مليار متر مكعب لكنه لن يتحمل الاستعمال غير المعقلن للأفراد.
رحلة دون رحيل
ونحن بعين المكان بمنجم تطهير لؤلؤ اليوم والمستقبل سألنا السادة المشرفين على محطة المعالجة السي لشكر ورئيس محطة المعالجة السي محمد الخضري عن لتر ماء بالمحطة هل هو نفسه بصنبور منازلنا؟ أم أن الصائغ يقدر اللؤلؤ أكثر، طبعا كان الجواب نفيا فبعد أن أطلعونا مشكورين على ذلك برحلة لتر ماء ما بين حفر وتنقيب ليسافر في رحلة معالجة من المنبع عبر قنوات متعددة والمصاريف الباهظة والمكلفة لإيصاله للصنبور. وفي جولة مع الدكتور فرحاوي تمكنا من خلق حميمية مع المكان بأجوبة وتفسيرات وتوضيحات خلقت منا خبراء مياه اليوم ومرشدين في مجال التنمية المستدامة خاصة في مجال اللؤلؤ فالله حبانا بفرشة مائية ذهبية بلا تلوث و لامبيدات.
كل ما سبق ذكره عن مكناسة الزيتون ينطبق على مغربنا الحبيب برمَّته فمع مطلع السنة القادمة سيشرع المغرب في استغلال محطة كبيرة لتحلية مياه البحر بعد تخطيطه لزراعة الاف الهكتارات من الأراضي الزراعية بمياه البحر بالنسبة للمناطق الساحلية التي تقل فيها المياه السطحية. هي حلول كلها مثالية: ترشيد استعمال، إقامة سدود وتحلية مياه مالحة، تراه الحل الأنجع؟
وبعصارة ماسلف نتذوق رحيق شهد رحلة المياه عبر الزمن والتي رسمت بعقولنا الصغيرة مثلث بيرمودا لحياة قطرة اللؤلؤ الأبيض بدءا برحلة الأجداد بدلوٍ إلى البئر أوالنهر جلبوا مياها ذهبية متجددة، مرورا بنا اليوم بمحطات معالجة وخوف دائم من نضوب قطراتنا ،وختاما بالرأس الأخير للثالوث محطات تحلية مياه مالحة ومعالجة مياه عادمة ،كلها تنظيرات آدمية تحت لواء الخطإ والصواب .لكننا نهديكم إكليل تنبؤات سيد البشر التي فاقت تصور البشر حيث قال " لاتقوم الساعة ...وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا "خضرة الماضي ،شبه صفرة الحاضر و يقين تام بإكليل ينع المستقبل .
المراجع المعتمدة :
شهادة الخبراء \ تاريخ مكناس
تصريحات وزير الفلاحة والصيد البحري
تأطير الأستاذة سعاد دايا
الكاتب : | عن مؤسسة: غوستاف إيفيل |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2022-04-18 16:52:04 |