آخر الأحداث والمستجدات 

قفة الجوع

قفة الجوع

تنبيه : الأفكار الواردة أدناه عامة ومجردة حول ظاهرة موجودة ومتعاظمة بشكل خطير، وهي لاتستهذف الفقراء حقا والذين يتعففون ولو كانت بهم خصاصة ولايجدون عن القفة بديلا لتغطية جزء من لقمة عيشهم الصعبة وفي شهر ترتفع فيه أسعارها . كما أنها لاتستهذف المحسنين الصادقين حقا وما أكثرهم والحريصين على فعل الخير والمواظبين عليه في السر والكتمان، كما أنها لاتناسب طبعا الجمهور السياسي الفاسد والمفسد لأنها تستهذفه أساسا .

لاحديث وسط الأوساط الشعبية هذه الأيام وداخل المقرات الحزبية التي فتحت أبوابها ونفضت الغبار المتراكم في أركانها منذ 2016 وبين "جمعويي القفة"(هناك جمعيات لاتظهر إلا في رمضان لتختفي) إلا عن القفة وعددها وكيفية توزيعها، وبغض النظر عن السياق التاريخي للقفة وكيف تحولت من رمز للتضامن المغربي مع الأرامل والمطلقات أو عائلات شهداء المقاومة ضد الاستعمار ومعتقليها ، إلى فرصة للتكسب المادي والسياسي عند البعض، فإن قفة رمضان أصبحت تطرح في العقود الأخيرة عديد ملاحظات من ثلاث زوايا على الأٌقل .  

من الناحية الأخلاقية فإن الدين يحث على الحرص على سرية التصدق وفعل الخير "باش يثبث الأجر" كما يقول المغاربة في حين أن مانشهده خلال شهر رمضان من إشهار للدعم الذي يقدم للأسر المعوزة والفقيرة ليس سوى نوع من الرياء بالمعنى الديني و"العياقة" بالمعنى الاجتماعي والدعاية الفجة بالمعنى السياسي، والذي يمثل إهانة مابعدها إهانة للمتلقين للدعم وحطا من كرامتهم واستغلالا بشعا لوضعيتهم من أجل تجميل صورة يعلم صاحبها دون شك أنها مشوهة، دون الحديث عن ظاهرة بعض الداعمين الذين جعلوا من عملية تصوير الدعم مصدرا للدخل المالي على اليوتوب تحت غطاء التشجيع على فعل الخير .

ومن الزاوية القانونية ، فكلنا نتذكر ماوقع منذ حوالي ثلاث سنوات بنواحي الصويرة حيث لقيت أكثر من 15 امرأة مصرعهن بسبب التدافع من أجل الحصول على القفة ، الحدث المؤلم كان مناسبة لفتح النقاش حول تجديد الإطار القانوني المتهالك المنظم للإحسان العمومي والذي يعود لسنة 1971 والعاجز عن مسايرة وتأطير ما أصبح يعيشه المجال من توسع ، لتصادق آنذاك الحكومة على مشروع قانون لتنظيم الدعم العمومي وضبط طرق جمع التبرعات وتوزيعها حفاظا على نبل الفكرة وسمو أهذافها ، لكنه ظل مجمدا في ثلاجة البرلمان بمجلسيه دون معرفة السبب. ليبقى الفراغ القانوني، المقصود ربما، مسوغا لممارسات يجرمها الدين والأخلاق دون أن يتصدى لها القانون.

أما سياسيا، فالمفترض في الفاعل السياسي والمنتخب أن يجد حلولا للفقر والهشاشة بتوفير بدائل قارة تحفظ العيش الكريم للمواطنات والمواطنين، في حين أن أسلوب القفة "المعلقة على شرط واقف" كما يقول فقهاء القانون وهو التصويت على مانحها ، يكشف عن رغبة في الإبقاء على وضعية التفقير كماهي لأنها تمثل ضمانة للسياسي الفاسد للحفاظ على قاعدة انتخابية قارة في التصويت لصالحه طالما أنها قارة في فقرها كذلك، لدرجة أن هناك منتخبون يحصون عددا الأصوات التي يتوقعون الحصول عليها بعدد القفف التي وزعوها .  

"الإحسان غير المهيكل" في المحصلة إذن كالاقتصاد غير المهيكل، صحيح أنه ينفس عن أزمات اجتماعية ويوفر حلولا مؤقتة للعديد ممن يجدون صعوبة في توفير لقمة العيش ، ولكنه كذلك يمثل مرتعا لكل أنواع الغش والتدليس والاستغلال والتهرب من ضريبة المحاسبة السياسية . التحدي الأكبر اليوم ليس فقط هيكلة هذا المجال وتنظيمه بل القضاء على أسبابه عبر سياسات عمومية دقيقة وفعالة وناجعة تترجم إرادة سياسة حقيقية وصادقة لكل مستويات القرار السياسي من أعلاها لأدناها .   

في المغرب، نقول "حتى حد ما تيموت بالجوع " وهو تعبير عن التعفف والصمود في مواقف معينة ضد الإغراء أو الابتزاز ، بالمقابل هناك من طبع مع دور الفقير الذي يموت جوعا وأن حياته و أبناءه متوقفة على قفة رمضان، غير أن الجوع هنا حالة ذهنية أكثر منها عضوية لأن الفقير الذي قبل أن تكون يده سفلى لايشبع ويرغب دائما في المزيد طالما أنه "مجاني" حتى لو كان ثمنه موت الكرامة والعنفوان ، فالفقر بهذا المعنى قيمي ومعنوي أكثر منه مادي ، وهو فقر مزدوج من جهة الممنوح المتوسل للقوت والمانح المتسول للصوت عبر قفة لاتسمن من جوع وإنما تسمنه .

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : علي اجليلي
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2021-04-19 01:36:54

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك