آخر الأحداث والمستجدات
مكناس انتصرت دون أن تهزم أحدا
عندما أطلقت هاشتاك "مكناس ليست للبيع" مرفوقا بتدوينة "الفضيحة الأخلاقية والجريمة السياسية" ،كنت أعتقد أنها ستكون صرخة أخرى في واد كمثيلاتها لن يكون لها لاقيمة ولا تأثير ، و لم يكن يخطر ببالي حينها أن يلاقي ذلك الزخم الذي لقيه ولا أن يتم احتضانه من طرف مختلف فئات المجتمع المكناسي بشتى انتماءاتهم ومواقعهم،ليتحول إلى حملة واسعة تملكها كل من انخرط فيها، وصار نجاحها في تحقيق مطلبها العادل والقانوني جزءا من مسؤوليته.
اليوم وبعد حوالي الشهر على انطلاق الحملة ، تتدخل عمالة مكناس لإعادة المشروع ومعه المجلس الجماعي لجادة الصواب والقانون. كان المتوقع أن تبني العمالة رفضها على مبررات مسطرية مرتبطة بعدد المصوتين ( 22 صوت لصالح الشراكة فقط) الذي لم يحقق الأغلبية المطلقة للمجلس، وليس للحضور، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات 113.14 في مادته 43، لكنها ذهبت أبعد من ذلك لتلامس شكل ومضمون الشراكة /الصفقة وترفضها من أساسها لاعتبارات أساسية كانت هي نفسها التي رفعتها الحملة وترافعت عليها ، كضرب الشراكة لمبدأ المنافسة بحصرها على شركة واحدة دون غيرها ، وتعارضها الصارخ مع قواعد الحكامة الجيدة لا من حيث شساعة الأراضي الممنوحة وموقعها ولا من حيث القيمة المالية المحددة لها التي نظرا لهزالتها لن يكون لها أي تأثير على مداخيل الجماعة التي تعاني العجز، دون الخوض طبعا في طبيعة المشاريع المبرمجة وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية المحتملة على الطبقات الفقيرة والهشة بالمدينة .
مع العلم أن كل من تتبع النقاش الدائر منذ 4 فبراير الماضي بل وقبله عند برمجة الشراكة في جدول أعمال الدورة، يتذكر كيف أعاب كاتب المجلس الجماعي على حملة "مكناس ليست للبيع" تركيزها على المجلس في حين أن العمالة هي من طالبت بإدراج الشراكة في جدول الأعمال حسب قوله، بمعنى أنها من يتحمل المسؤولية أساسا. وهو لعمري كان تبريرا يجعل صاحبه في تناقض مع مسؤوليته كمنتخب حد السخرية، فالمجلس لم يكتف بتفريطه في دوره كمؤتمن على الملك العمومي المكناسي حيث كان بإمكانه أن يرفض الشراكة أو يعدلها بمايخدم مصلحة المدينة وأهلها ولم يفعل، بل تجاوزه لمنح الشركة امتيازات لم تكن تحلم بها على طبق من ذهب (لنتذكر أن الأمر سنة 2019 كان يتعلق فقط بالمسبح الأولمبي بباب بوعماير لتضم الشراكة الجديدة بقدرة قادر المسبح المغطى ومنتزه الزويتينة كذلك) ، وهاهي العمالة وكما فعلت سنة 2019 تضع لنفسها وبذكاء مسافة مع ماصادق عليه المجلس من مقررات وتلقي بكرة المسؤولية الملتهبة في ملعب المجلس الذي قرر "الزيادة في العلم" ولو كانت نتيجته النقص في حجم الثقة في المنتخب ونزاهته وكفاءته المتهالكة أصلا لصالح المعين وشطارته ، وهو ما لا يمكن لأي ديمقراطي حريص على الخيار الديمقراطي كثابت دستوري من ثوابت الدولة إلا أن يأسف له .
أكبر خطأ قد يقع فيه الرئيس عبد الله بوانو وفريق التسيير من البيجيدي والتجمع الوطني للأحرار الذين صادقوا على الشراكة /الصفقة وخرجوا يدافعون عنها بل ويهاجمون كل من اعترض عليها ويصفونه بأبشع الأوصاف التي سجلت على رؤوس الأشهاد، أكبر خطأ، أن يعتبروا ماوقع هزيمة لهم أو انتصارا لمعارضي الشراكة، لأن للحملة جوانب إشراق عديدة تتخطى ثنائيات السياسة أو بهلوانيات "البحلاسة" ، من أهمها أنها أتاحت للمجلس ذاته، إن هو أراد ذلك ، أن يصحح مساره في هذا المشروع بما يخدم الاستثمار في مكناس وليس الاستثمار بمكناس بصياغة دفتر تحملات واضح ودقيق وفتح طلب عروض في إطار صفقة عمومية مفتوحة للمنافسة مع تحديد سومة كرائية تناسب حجم وموقع المنشآت بالإضافة للتقليص من المساحة المعروضة للكراء في منتزه الزويتينة بمايضمن الحفاظ على المنتزه كمتنفس لأبناء المنطقة وكذا القيام بمشاريع أخرى سواء ذات بعد ثقافي كالمسرح والمتحف أو ذات بعد اجتماعي واقتصادي تعود بالنفع على الساكنة وتنمي مداخيل الجماعة في نفس الوقت.
كما أن الحملة ساهمت في إحياء النقاش العمومي المثمر الذي افتقدته المدينة لسنين رغم حاجتها إليه ، وإنهاء مرحلة تقوقع المجلس على نفسه وتفصيله لثوب قرارات على مقاسات أصغر من جسم تطلعات الساكنة وأحلامهم وآمالهم التي منحوا على أساسها الرئيس بوانو وحزبه أغلبيتهم المطلقة، فلأول مرة طيلة الولاية يضطر أعضاء بالمجلس للخروج عبر لايفات فايسبوكية ويسجلوا فيديوهات للتفاعل مع الرأي العام المكناسي وشرح والدفاع على مقرر من مقرارت المجلس.
الحملة أيضا أسقطت وهم التغول بالديمقراطية العددية في جانبها التمثيلي وأعادت الاعتبار لقيم الديمقراطية التشاركية والمواطنة بماهي تعبير عن الصالح العام الحقيقي وليس فقط مصالح من بيده قرار المجلس ، كما أنها أرست بالمقابل لتصالح المكانسة مع السياسة وإدراكهم بأن الامتناع عن المشاركة الانتخابية من أهم أسباب تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي بالمدينة ، لأنه في النهاية يبقي على الباب مشرعا أمام أصحاب القواعد الانتخابية الثابتة كأكبر مستفيد من تدني نسبة التصويت من جهة وكذا أصحاب اللاقواعد الأخلاقية من تجار الأصوات ورموز الفساد ورعاته من جهة أخرى.
فالحملة إذن وضعت اللبنة الأولى لتعاقد جديد بين المكانسة بوصلته الموجهة أن مكناس لم تمت ،ضدا في كل من رغب وعمل على قتلها، مكناس حية بنسائها ورجالها وشبابها وستبقى كذلك، مكناس لم تهزم أحدا من أبناءها ولكنها انتصرت وستنتصر على أعدائها ومن تم على مشاكلها .
الكاتب : | علي اجليلي |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2021-03-05 14:23:42 |