آخر الأحداث والمستجدات
رهانات تدارك الزمن الضائع
دعنا نتأمل الوباء خارج دائرة الطب وندخله في دائرة الفرص المتاحة بعد الخروج من الحجر الصحي، فكثيرا ما خرجت الأمم من مآسيها قوية. وهي فرصتنا للتفكير من اجل بناء عقد اجتماعي جديد وصياغة النموذج المغربي. وحتى لا تستبد بنا اللحظة فهناك ما قبل حدث الوباء وما بعده. فالتاريخ لا يتوقف عند لحظة بعينها او زمن بعينه. والسؤال منذ البداية هل نبحث عن تدارك الزمن الضائع بسبب كرونا ام نبحث عن تدارك الأزمنة الضائعة. نحن في وضع زعزعت فيه الثقة في ذواتنا ولم نعد مقتنعين او راضين على علاقتنا مع الزمن. فقد برهنت الجائحة من جديد ان وضعنا هش. وأن الازمة ليست مرتبطة بالوباء فقط بل كانت مستبدة منذ أزمنة غابرة، حيث بسرعة انكشف ضعف امكاناتنا المادية والتجأت الدولة الى الرصيد اللامادي للمواطنين من اجل التضامن في إطار صندوق الدعم. وضعنا الهش لا يمكن فهمه بدون الرجوع لأسبابه التاريخية للوقوف على فترة توقفنا في الزمن وأصبحنا نلتف حول دائرتنا المفرغة.
نحن نعيش في هذا المجتمع نلاحظ ونتتبع يومياته، ولا جديد تحت الشمس، تكرار هذه المراقبة لا تنبأ بوجود تغير سريع نحو الاحسن. هذه الملاحظة خلفت احباطات ويأس لدى البعض الذين يريدون رؤية التغيرات الحاسمة في ايامهم ليكونوا جزء منها الا ان الزمن يستعصي ان يكون التغيير الإيجابي سريعا. لكن مجتمعنا يشتغل بالإيقاع البطيء هكذا يفهم الناس. في المقابل يعيش بيننا تيار إصلاحي يريد أن يتدفق الزمن بأسرع إيقاع ممكن. لكن عندما يبدأ أي تيار إصلاحي في التشكل في مجتمعنا يهاجم من طرف التيار المحافظ، تعبيرا عن رفض الخروج عن المألوف وهو أمر طبيعي لان القديم يصارع الجديد. لكن الاتجاه الجديد يفرض نفسه كلما توفر على مقومات النجاح. وجرت العادة ان التاريخ يقف الى جانب الاصلح، لان القديم المحنط رغم مقاومته فهو يصارع حقيقة جديدة برزت للوجود، وأكبر خسارة يمكن أن يحدثها التيار القديم بالمجتمع هو ابطاء الزمن. في النهاية تنتصر الحقيقة الجديدة تحت عنوان ضخم عنوانه التجديد وتعود دورة التاريخ للحركة من جديد الى ان تظهر حقيقة جديدة ثم يمضي التاريخ ينتج سلسلة دينامية تكون أسرع لدى المجتمعات التي تساعد عملية الدفع الذاتي الى الاحسن. اما المجتمعات التي تسود وتتحكم فيه التيارات المحنطة التي تتمسك بالشكل القديم بوضع عراقيل امام كل تغيير تظل في مكانها تتحرك في دائرة مفرغة الى ان تهاجم من الطبيعة (الكوارث والاوبئة) كما يحدث الان مع الوباء او تهاجم من عدو خارجي، كما حدث أثناء الاستعمار وهذان العاملان الطبعي والخارجي ما هما الا عوامل مكملة لضعف استشرى من الداخل. حتى في ظل المقاومة الشرسة للقديم تظل الدينامية التاريخية تفعل عملها ولو بدورة بطيئة فيسحق الشكل القديم تحت عجلة التاريخ. يحدث هذا في غفلة من أعين الناس وحركية التاريخ لا تعرف التوقف.
هي حيثيات عامة قمنا بعرضها لتوضيح جانب مهم اغفلناه في تاريخنا يتعلق بضياع الوقت برفض كل تجديد. من أجل ذلك لا بد من تأسيس مدخل جديد لمفهوم الزمن في تصوراتنا باستخدام أدوات معرفية جديدة اعتمادا على اجراء مقارنات مع ذواتنا ومع غيرنا، وذلك بطرح أسئلة من قبيل لماذا لم يتأتى لنا ما تأتى لغيرنا، لماذا بقينا حبيسي عالمنا الخاص دون الاكتراث بما يجري في العالم ولم نستوعب حركية التاريخ. لماذا وضعنا حولنا سياجا من الممنوعات. لماذا نعتقد اننا وحدنا نمتلك الحقيقة. مع هذه الأسئلة يمكن أن يبذأ الوعي التاريخي بالتشكل. وهي فرصة حاسمة بعد الحجر، فقد أخضع الوباء الجميع لعملية تطهير وعلاج مما ترسب في العقول من خرافات. والناس تريد ان نتصرف انطلاقا من المعرفة الواضحة التي يعززها التجريب. فقد برهنت هذه الجائحة على ان العقل العلمي مهما كانت نقائصه هو الملاذ وسبيل الخلاص فقد تراجع الفكر الخرافي الى الخلف، والكل ينتظر ما ستجود به المختبرات العلمية من لقاحات وأدوية ...
في كل يوم من أربع وعشرين ساعة نحيا فيها بهذا البلد، نفكر او ننفعل، نخلق أو ننتج. الا اننا شعب يستغرق ثمان ساعات من اريع وعشرين مستلقيا على ظهره بعيدا كل البعد عن الانتاج غارق في النوم، وعندما نصل الى سن الستين نكون قد استغرقنا أكثر من عشرين سنة نائمين. وهو قدر هائل من الوقت، أي ثلث زمن الحياة. يحدث هذا في الوقت الذي تسعى فيه المجتمعات ذات الدينامية العالية الى تقليص ساعات النوم بل وصلوا الى بناء مدن لا تنام. العمل ليل نهار نصف يشتغل بالليل ونصف يشتغل بالنهار، فالوقت من المال. إذا كانت الأرقام تشير الى فداحة الخسائر خلال فترة الحجر الصحي والتي مدتها الزمنية ثمانون يوما فقط. فيمكن إحصاء خسائرنا خلال الأزمنة الضائعة في الماضي بعدد المعامل التي تنقصنا لتشغيل العاطلين وعدد المستشفيات والمدارس التي تنقصنا وعدد الطرقات التي نحتاجها لفك العزلة عن بعضنا البعض وعدد الموانئ التي تنقصنا. من التيار الذي عليه ان يؤدي الفاتورة الان، لكن أكبر خسارة هي خسارة الإنسان الذي تم اغراقه في الفكر الخرافي يصعب انتشاله منه حيث تم فصله عن التاريخ ولا يدري اين هو في احداثيات الزمن.
محمد عليمو / مكناس
الكاتب : | محمد عليمو |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2020-05-31 21:13:32 |