آخر الأحداث والمستجدات
قُبلة حياة على جبين الوباء
الإنسان يخاف من الموت كما يخاف من الحياة ، نهابه و هو يحاصر أنفاسنا ، فهو منتهى كل حي يُرزق من الدنيا حُلوها و مُرها ، رعب من ضبابية الطرف الآخر للوجود ، دوامة مخاوف تقرع عقل الإنسان و تزلزل سكينة قلبه منذ الأزل ، ففي خضم تشبتنا بغاية الاستقرار ، صرنا في غفلة منا نعيش عصرا تتوحد فيه أصوات أجراس الكنائس و آذان المساجد ، تهتز فيه الأرواح على أصداء الصلوات خشوعا و تضرعا للمولى بهدف خلاص البشرية من أسر الحجر و بلاء الوباء ، تتوحد رسالة الأديان و نية الملل في دين واحد موسوم بالمحبة و السلام ، شعنينة ، طوائف مسيحية ، صيام رمضان ، قيامة مجيدة و غيرها من طقوس الصفح و الغفران تزيد القلوب إيمانا و صمودا نكاية في بطش كوفيد التاسع عشرو ظلم عهده ، و نحن السجناء بلا قضية و لا دليل ، حياتنا اليومية أصبحت زنزانة قضبانها أرقام وفايات و إصابات و مخاطر عدوى تزداد صلابة يوما بعد يوم ، حُوكمنا لسبب مجهول و حُفظت قضيتنا على ذمة الحجر الصحي إلى أجل غير محدد .
لكل منا سلاح يدافع به عن حريته ، ذاك الخضوع الواعي لنواميس الكون و الأعراف و الديانات ، تطبيق لواجب بهدف التحرر من تسلط بعضنا على الآخر ، تحليق بلا قيود ، دون فرض و لا إجبار يمكن أن يُمارس على الذات البشرية ، فالمبدع له بصمته الخاصة ، هُدنة بوح عوض حرب تحديات سلوكية لا تليق ببياض حبره ، يتوكأ على عصا أفكاره لتكون موجّها لكل ضرير يعجز عن إبصار بصيص ضياء في غياهب الأزمة ، يسافر بقرائه حتى آخر الطبيعة ، يكتشفون من خلال كلماته سماء ثامنة لا يعرفها سوى عشاق الحرية و الجمال ، يمتطون صهوة المجاز و يسافرون عبر لهيب المعاني ليطفئوا شعلة الغضب المتمددة على مساحة ابتساماتهم الشاحبة و التي تحمل معاني الرضا و القبول و التسليم بوضع ظرفي أكيد سيمر ، لكننا نريده أن يمر بأقل الأضرار و الخسائر ، الغرض منه التنقيب عن واقع أفضل ، ليختبر المرء لذة التحول من الفرد إلى الجماعة و من الواحد إلى الكل تضامنا حتى نتخلص من بطش الجائحة .
عين المبدع في نظراتها حياة نكاية في قساوة الظروف ، ألف سؤال و سؤال ، فوضى أحاسيس تغتال كيانه و هو يراقب ما يجري حوله ، ليس كما يتهمه البعض أنه يترقب الأحداث من فوق برجه العاجي ، و أنه مجرد كائن مُسلي يكتفي بالكتابة عن العشق ، و يختفي خوف حروفه جبنا و خوفا من مرارة الواقع ، لا يُدركون أن المبدع كومة أحاسيس تمشي على الأرض ، كائن من نور ينثر الأمل أينما حل و ارتحل ، وُلد و القلم أصبعه السادس يخط به سطورا بعبق البهاء ، ينثر الضياء لينير عتمة الوقت ، لن يتمكن الغياب من حظر تجوال الأمل بقلبه ، و لن يمنع انتقال عدوى الصمود بينه و بين عشاق حرفه ، ذاك السكون الذي يترنح في المسافات أرحم لديه من كلمات تبكي قراءه و هي مبتسمة . حينما تتراكم الأوجاع في مساحات الواقع الضيقة ، و يعجز القلب و العقل على تحملها ، ينفجر حرفه وسط زحمة عمر لم يعشه بعد ، يأبه أن يتنازل عن تفاصيل من حوله ، يقدر أشياءهم الصغيرة ، يتحسس جلد مشاكلهم بأنامله المرتعشة من صقيع و ظلم ما يعيشونه ، وجوه افتراضية تنتقل عبر الحروف ، تنتظر ثورة لتستعيد حياة حُرمت منها جراء وباء لعين ، حتى صار التباعد الاجتماعي عنوانا للكينونة الوجودية ، و صرنا مجرد شخصيات تستوطن الفضاء الأزرق ، تتواصل خلف شاشات الهواتف و الحواسيب ، رسائل رقمية كجثث هامدة ، جسد بدون روح ، كلمات نشتهي تقبيلها و أرواح نتوق إلى ضمها ، جمل ملامحها حزينة نتمنى أن تكذب علينا لتنتشلنا من كآبة المجهول ، صداقة و حب مع إيقاف اللقاء .
أجمل ما في الصعوبة هو تحويلها إلى فرصة ، أن نحول اليأس و الإحباط إلى إيمان و أمل ، لقد تثاقلنا على الأرض و كانت الكورونا رحيمة بها لتتنفس الصعداء من جديد ، جرثومة منحت البشرية فرصة لإعادة ترتيب أوراقها ، و منحت الكائنات و الأرض فرصة لتتنفس بعد تلوث مناخ العيش الذي كان يخنق أنفاس نبضها ، فيروس جبروته جعل البشرية تحصد سنابل عمر الكثير من الناس في ربيع تاريخي جسّد أوجاع كل الفصول ، منح للعالم ضمة موت ولكننا سنهديه قبلة حياة على جبينه لعناق غد بملامح أنقى .
رجاء قيباش / مكناس
الكاتب : | رجاء قيباش |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2020-05-11 01:51:15 |