آخر الأحداث والمستجدات
الجريمة وعلامات تشوير طريق السجن
هل استطاعت العقوبات السجنية من التحكم في مستوى تخفيض الجريمة؟، هل تحديث سلسلة السجون هي من بين أسباب العود للجريمة؟، هل القانون المغربي يحمل طيبة اجتماعية؟، لماذا أصبح المغاربة يطالبون بإعادة تفعيل الإعدامات؟، لماذا بدأ المغاربة يستعملون شرع الأيدي؟، هل أصبحت غرائز الانتقام عند المجتمع المغربي تتنامى وتزيد مع تفاقمات الحقد الاجتماعي؟، هل وصلت الجريمة حد تهديد الأمن والسلم الاجتماعي؟.
ممرات وعلامات التشوير نحو السجون حاضرة وبقوة في كل المدن المغربية بثبات التوجيه، أصبحت الجريمة في ظل الثورة المعلوماتية تحتل موائد مقبلات إفطار الجميع وتستديم عبر مشاهدات وأخبار القتل والدم والسيوف.
حقيقة يجب أن نكف عن هذا المنحى العبثي بعلامات "قف" خطر متنوع. حقيقة نعلم الأسباب والمسببات ولا نستعمل الكي له كآخر دواء، فالانتظارية دون تحرك عاجل ضد الجريمة بالشمولية لم تعد حسابيا وقتا مربحا، لم تعد إعادة تمثيل الجريمة موعظة اجتماعية، لم تعد الجريمة تعيش متخفية بل باتت توزع الفزع بالسيوف علانية وباستفزاز حتى رجال الأمن.
الآن وفي ظل التحولات الاجتماعية المتغيرة بفقدان القيم الأخلاقية، و توسيع دائرة الحقوق والحريات وغياب الخوف من ولوج بوابات السجن الحديث، أصبح لزاما على الدولة السيطرة عن أسباب الجريمة قبل أن تصبح منظمة، أصبح الانكباب المستعجل بصياغة سياسة عمومية إجرائية للحد من الفقر والبطالة ومن الفوارق الاجتماعية، و تصويب خرائط التهميش والإقصاء بالضبط، أصبح من اللازم محاربة استهلاك المخدرات بكل أنواعها، أصبح من اللازم تحديث القانون الجنائي المغربي ونفض رداءات المبررات والاعتبارات الاجتماعية عنه. الآن، الفرشة الجانحة تعيش ضمن مستنقع الهشاشة والإقصاء، وهو الانفلات غير المتحكم فيه قانونيا ولا أخلاقيا ولا أمنيا، هم الخواسر الجدد من خلف الصعاليك، هي سياسة الدولة التي تتبنى مقولة " لا يعذر أحد بجهله للقانون" ، هي الدولة التي لا تربي مواطنيها عن الحق والواجب واحترام القانون بالحماية من القاعدة الاجتماعية.
فمن الحكم الجديدة " أن السجن ليس للإصلاح ،بل هو سلسلة قضبان تزيد من نرفزة الحقد الاجتماعي". قد لا نمتلك الحقيقة القطعية للحد من طوفان الجريمة العشوائية، ولكننا ننبه بمكناس كنموذج مصغر من الوطن، أن صناعة الجريمة المروعة التي يوثقها التاريخ بالتشويه والتنكيل حاضرة بالمدينة. فعلا ممكن أن نكون نمتلك الحقيقة النسبية القابلة حتى هي للتعديل والمراجعة، ممكن بأننا في مكناس لا نبني لغة المديح عند معالجة أحداث جرائم متباعدة بالاحترافية، ممكن ألا نرمي الورود بالإعجاب ونقر بأن الجريمة بمكناس أقل عددا من مدن الجوار، ولكنا ممكن أن نحمل رأيا مضادا أو مختلفا يروم إلى بناء التحكم في منتوج الجريمة بالاستباقية وبدون معول هدم للجهود الأمنية بالمدينة. يقول المجتمع، نحن ضحية أنفسنا حين تعودنا على الفوضى التي تربك الترتيب السليم للحياة وتنتهك
القانون، نحن ألفنا لغة "اليوم يسيل الدم" في صراعاتنا وفي اختلافنا وحتى في خطاباتنا اليومية، نحن تعلمنا ردود أفعال جانحة سليلة من القمع الذي مورس على الشعب سنوات الجمر والرصاص، وبات بعدها متسع الحرية يساوي الفوضى وعدم الترتيب.
هي تراكمات آتية من الماضي تزيد اتساعا بالفوارق الاجتماعية والتي بدت غولا محطما لتلاحم شعب الماضي. هذا الفهم البديل يحولنا لزاما إلى غاية فريدة تروم إلى تعزيز مكتسبات الحماية الأمنية ، تروم إلى تغطية الحاجيات الأمنية السبقية بدل الافتخار بسلسلة إنشاء مؤسسات سجنية.
هي محاور بناء التغيير من خلال إستراتيجية رئيسية لتعزيز إجراءات حماية المواطنين قبل تملك السلوكيات الجانحة. من حقنا بمطالبة إدماج وتأهيل المواطن المغربي للحياة الاجتماعية بكرامة قبل وصوله إلى علامات تشوير مداخل السجون والادماج، من حقنا الدعوة إلى إخراح العقوبات البديلة من حيز التفكير، من حقنا المطالبة بسجل اجتماعي للساكنة السجنية لأجل تجريب الدعم المالي المشروط بحسن السلوك والتعايش السلمي مع المجتمع، من حقنا المطالبة بقيادة التغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإطلاق حديث القانون يسود على الجميع، من حقنا التدريب على استعمال مفهوم الحرية قبل سلب الحرية بأسوار السجن، من حقنا المطالبة بمقاربة أمنية بديلة تحمي المواطن من سيوف الخواسر الجدد.
الكاتب : | محسن الاكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2019-08-19 01:14:00 |