آخر الأحداث والمستجدات
اختلالات سوق الجملة لبيع الخضر والفواكه بمكناس تحت مجهر جريدة الصباح
نشرت جريدة الصباح، في عدد لها، صادر هذا الأسبوع، تحقيقا رصد مجموعة من الإختلالات التي يعرفها سوق الجملة للخضر والفواكه من إنجاز الصحفي برحو بوزياني، تحت عنوان " سوق الجملة بمكناس… كلفة الريع : اختلالات في التدبير وهدر أموال عمومية وتبادل الاتهامات بين أطراف المرفق البلدي".
يعرف سوق الجملة للخضر والفواكه بمكناس، على غرار أغلب الأسواق، اختلالات في التدبير وهدرا للمال العام، وتبادل الاتهامات بين الأطراف التي تشارك في تسيير وتدبير السوق، من إدارة وجماعة محلية ووكلاء وتجار.
ووصلت اختلالات السوق إلى القضاء، من خلال شكايات رفعها عدد من الوكلاء ضد مسؤولي السوق، وإصدار محكمة جرائم الأموال بفاس لأحكام تدين عددا من المتهمين على رأسهم مدير السوق ووكلاء بأحكام حبسية وغرامات مالية .
كما شكل السوق موضوع تقارير للمجلس الأعلى للحسابات رصدت اختلالات في تدبير المرفق الذي تشرف عليه الجماعة الحضرية لمكناس.
“الصباح” فتحت ملف السوق، ورصدت أوجه اختلالات التسيير ومسؤولية الأطراف المختلفة، من خلال التحقيق في وضعيته الحالية، ورأي كل طرف في الأزمة التي انعكست على نشاط المرفق البلدي، وأثرت على مردوديته المالية، خاصة مع تنامي شبكة الأسواق العشوائية والتي باتت تتحكم في أزيد من 80 في المائة من إجمالي الكميات المسوقة من الخضر والفواكه بالمدينة، خارج السوق.
تبدأ قصة الاختلالات من باب السوق، وبالضبط من الميزان الذي يفترض فيه ضبط الكميات الحقيقية من الخضر والفواكه التي تلج السوق يوميا، واعتمادها في تحديد المداخيل الواجب أداؤها، مقابل ترويج السلع داخل المربعات المخصصة لذلك.
يقول عدد من وكلاء السوق وممثلي التجار إن الميزان الوحيد الذي يتوفر عليه السوق ظل معطلا لأشهر عديدة، ليشكل بذلك غطاء للعديد من الممارسات المخلة، من قبيل التملص من الأداء، والتلاعب في التصريحات الخاصة بكميات الخضر والفواكه التي تلج السوق يوميا، وهي ممارسات تضيع على الخزينة ملايين السنتيمات شهريا.
ورغم أهمية الميزان في عمل السوق، إلا أن الوكلاء الذين أوكلت لهم مهمة تدبير المرفق، إلى جانب المدير، لم يتدخلوا لإصلاحه، وترك الأمر مفتوحا للتقديرات التي تخضع للمزاج والمحسوبية، وهي العملية التي تسمح، حسب عدد من الوكلاء السابقين، بالتلاعب وحرمان السوق من مداخيل فعلية تعكس حجم الرواج الذي يعرفه المرفق، خاصة في فصول الذروة، التي تعرف نشاطا كبيرا في تسويق الفواكه.
وأمام هذه الوضعية التي استمرت لشهور، بات من الصعب ضبط الكميات المروجة بالسوق، بعد أن أصبحت جبايات حمولة الشاحنات تحتسب بـ”المعاينة”، وعدم التصريح بالثمن الحقيقي الذي تباع به الفواكه والخضر.
ويتهم عدد من الوكلاء إدارة السوق بفرض التعامل بـ”الفورفي”، مع التجار، في عملية تترك هوامش واسعة للربح غير المشروع، وهي الاتهامات التي توبع بها عدد من المتهمين في الملف أمام محكمة جرائم الأموال بفاس.
ومن بين التلاعبات التي تعرفها عملية مراقبة الرواج التجاري، إلى جانب عدم اعتماد الميزان، تزوير أثمنة بعض المنتوجات من خلال التصريح بأسعار البطاطس الأقل ثمنا، في شحنة شاحنات محملة بفاكهة “أفوكا”، على سبيل المثال لا الحصر.
ويحكي وكلاء سابقون لـ”الصباح” أن سوق الجملة ظل يعمل بعيدا عن القوانين والمساطر الجاري بها العمل، بسبب التهاون والإهمال غير المفهوم في التطبيق الصارم للقانون، من قبل جميع الأطراف، وهو ما فتح الباب لحرمان خزينة الجماعة من ملايين السنتيمات شهريا، خاصة في الفصل الذي يعرف تدفقا كبيرا للفواكه على السوق.
لامون: خلل في سلسلة التسويق
انتقد عبد العالي لامون، عن جمعية تجار السوق، شروط العمل غير السليمة في السوق، بسبب تجهيزاته المتآكلة، وضعف التسيير، وعدم تحمل الأطراف المعنية لمسؤوليتها، ناهيك عن تقادم الإطار القانوني المنظم للسوق، المتمثل في قانون 1962.
وأكد ممثل التجار في حديث مع “الصباح” على الطابع غير الحرفي للعاملين في مرفق تجاري كبير من مستوى سوق الجملة، مشيرا إلى أن الجماعة الحضرية لا تتحمل مسؤوليتها كاملة في تدبير السوق، مكتفية بتسلم حصتها من المداخيل ممثلة في نسبة 5 في المائة شهريا، دون تقديم أي خدمة في المقابل.
وللتدليل على هذا التقصير، أوضح لامون أن مدخل السوق لا يشرف الجماعة، إذ تغيب علامات التشوير، وتنتشر الأزبال، وتنعدم شروط النظافة في مرفق يقترض فيه أن يخضع لصرامة في السلامة الصحية، لأن الأمر يهم منتوجات يجب أن تسوق في شروط سليمة.
واستغرب ممثل التجار كيف أن مدينة مثل مكناس التي تحتضن سنويا المعرض الدولي للفلاحة، لا تتوفر على سوق للجملة يليق بصورة العاصمة الإسماعيلية، ويشرف القائمين على تدبير شؤونها المحلية.
والأخطر من ذلك، يقول لامون، إن المنتوجات الفلاحية من خضر وفواكه تعرض في فضاءات غير صحية، سواء تعلق الأمر بجودة الصناديق أو انتشار الحشرات والفئران، ناهيك عن حالة الفوضى الناتجة عن طبيعة التسيير والانتشار الفوضوي للعاملين الرسميين منهم وغيرهم بالسوق.
ويرى ممثل التجار أن سلسلة التسويق تعرف اختلالات كبرى، بدءا من نقل السلعة من الضيعة، مرورا بالتاجر، وصولا إلى السوق. كلها حلقات تتسم بالفوضى وعدم ضبط المتدخلين، لتتحول مع ضعف التسيير وحالة مرافق السوق، إلى مرتع للعشوائية.
أسواق عشوائية
تلحق الأسواق العشوائية المنتشرة في أحياء المدينة ضررا بالغا بنشاط سوق الجملة، إذ أصبحت تمثل قبلة لعشرات الشاحنات المحملة بالخضر والفواكه، والتي تفرغ حمولتها، بعيدا عن أي تعشير أو أداء رسوم، وتوزيعها على باعة متجولين، يملؤون أزقة وشوارع مكناس.
هذه الوضعية، يقول ممثل التجار، تدفع البعض إلى التملص من أداء المستحقات والرسوم القانونية، مكتفين بدفع مبالغ قد تصل إلى خمسة آلاف درهم للشاحنة، ويكون الضحية هنا هو التاجر الذي يعمل داخل السوق.
وحسب مصادر مقربة من الوكلاء، فإن عدد التجار الذين ينشطون بالسوق يتراوح ما بين 160 و200 تاجر دائمين، مع دخول موسميين في بعض المواسم المرتبطة بتسويق بعض الفواكه. كما يقدر حجم الخضر والفواكه التي تسوق خارج سوق الجملة بثمانين في المائة، فيما لا تلجه سوى 20 في المائة.
دور ضعيف للوكلاء
حدد الظهير الشريف رقم 1.62.008 مهام وكلاء أسواق الجملة بالجماعات الحضرية، من خلال منح وزير الداخلية أو نائبه تعيين وكلاء أسواق الجملة لخضر والفواكه وأسواق السمك، مع تحديد دفتر التحملات يعتبر بمثابة قانون أساسي للوكلاء ونظام للأسواق.
وحدد الظهير أيضا الشروط المؤهلة لشغل منصب الوكيل، ومسطرة التعيين ومدة الوكالة ومقدار الأداء المرخص به، وكيفيات تسديد أجرة الوكيل والقواعد المطبقة على استغلال سوق الجملة والمراقبة الإدارية العقوبات الإدارية.
وإلى حدود السنتين الماضيتين، ظلت مناصب الوكلاء الشاغرة موزعة مناصفة بين المقاومين والقطاع الحر، من خلال تخصيص مناصب لأفراد أسرة المقاومة الذين يتعين أن تتوفر فيهم شروط الأهلية المنصوص عليها في القرار الوزاري.
ويرمي التجار باللوم على الوكلاء الذين لا يحضرون إلى السوق، محملين إياهم المسؤولية في عدم القيام بدورهم كاملا، في الوقت الذي يعتبر التاجر حجر الزاوية في السوق.
وإذا كانت الجماعة تتنصل من مسؤولية تنظيم السوق، وترمي بها إلى الوكلاء، فإنهم يرون على العكس من ذلك، أنهم لا يمكن لهم أن يحلوا محل الجماعة ولا السلطة، في تنظيم التجار أو صياغة نظام داخلي لهم، متسائلين عن دور الإدارة في هذا الصدد.
وقال أحد الوكلاء في تعقيب موجه إلى رئيس الجماعة، جوابا عن مراسلته “نتساءل عن دور الإدارة التي توجد داخل السوق، وطبيعة مهامهما واختصاصاتها”، محملا المسؤولية للجماعة في تحديد الأشخاص الذين يستغلون ملكا عموميا يفترض أن تتوفر على لائحة دقيقة بأسمائهم والترخيص لهم بالاستغلال القانوني، عوض التملص من المسؤولية، والرمي بها إلى الوكلاء.
إن ممارسة الوساطة داخل السوق، حسب الوكلاء، غير قانونية، إذ لم ترد في القرار الوزاري المنظم لأسواق الجملة، وسبق لهم أن عبروا في لقاءات رسمية مع سلطات المدينة عن رأيهم في ما يعرفه السوق من اختلالات، متهمين الجماعة بعدم تحمل المسؤولية، والاكتفاء بتحصيل حصتها من المداخيل، والرمي بتبعات المصاريف اليومية على الوكلاء.
توزيع المداخيل
يعتبر مدير السوق المسؤول الأول عن تسيير المرفق، ويعين من قبل الجماعة الحضرية، ويسهر على توفير النظام والأمن داخل السوق، والتدخل لحل مشاكل التجار. كما يسهر على تحصيل المداخيل المتأتية من قيمة المبيعات الإجمالية من الخضر والفواكه، والتي تبلغ 7 في المائة، دون أخذ بعين الاعتبار أي ربح أو خسارة يحققها التاجر.
وتبقى مهمة تحديد الأسعار حسب العرض والطلب، بين التاجر والوكيل والمدير، على أساس استخلاص رسم بقيمة 7 في المائة، تحول منها 2 في المائة إلى الوكيل و5 في المائة إلى الجماعة.
قرار المحكمة
قضت غرفة الجنايات لجرائم الأموال بفاس، أخيرا بإدانة المتهمين باختلاس وتبديد مداخيل سوق الجملة وتزوير تواصيل للسطو على مبالغ مالية، بـ16 سنة نافذة، موزعة على مدير السوق، وسبعة متهمين آخرين، بينهم مستخدمون في الجماعة.
وأدانت المحكمة مدير السوق بسنتين حبسا نافذا وغرامة مالية حددتها المحكمة في 10 آلاف درهم، وبالعقوبة ذاتها أدين سبعة متهمين آخرين، من بينهم موظفون بالسوق تابعون لجماعة مكناس وخمسة وكلاء، توبعوا في حالة سراح، بعد أن أدوا كفالات مالية خلال فترة التحقيق معهم تراوحت ما بين 30 ألفا و5 آلاف درهم. وبرأت المحكمة اثنين من تهم اختلاس وتبديد أموال عامة، ومنح إعفاءات من الرسوم بدون إذن قانوني، والارتشاء، وتزوير توصيلات رسمية واستعمالها.
مدير السوق: أنا ضحية مؤامرة
أوضح محمد توفيق، مدير السوق، أنه ضحية مؤامرة وابتزاز من قبل بعض الوكلاء، ومن أطراف خارج السوق، من المستفيدين من الوضع، والذين يهدفون إلى إلحاق أضرار بالجماعة، باعتبارها المسؤولة عن تدبير المرفق البلدي.
وأوضح توفيق في تصريح لـ”الصباح”، أن التهمة التي أدين بها من قبل محكمة جرائم الأموال ملفقة، مؤكدا أنه قضى أزيد من 22 عاما في إدارة السوق، وعمل مع مسؤولين وموظفين طيلة هذه المدة دون تسجيل أي مشكل.
واعترف المدير بحجم الإكراهات التي تواجه السوق، ومن بينها المنافسة الشرسة للأسواق العشوائية وظاهرة السويقات المنتشرة في مختلف الأحياء، ناهيك عن البنية المهترئة للسوق الذي شيد في 1970 ، رغم الجهود التي بذلتها الجماعة من خلال تخصيص مبلغ 89 مليونا لبناء المرافق وإصلاح المربعات.
وبخصوص تسجيل تراجع في المداخيل جراء عدد من الاختلالات، أوضح توفيق أنه رغم المشاكل والإكراهات الكبيرة التي يعرفها الجميع، والتي تجعل “السوق يمشي برجل واحدة”، فإنه مع ذلك سجل خلال 2018 ارتفاعا في المداخيل بلغت 910 مليون سنتيم.
تأخر مشروع الإصلاح
تأخر مشروع إصلاح أسواق الجملة الذي كانت تعده لجنة مختصة بوزارة التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة والذي كان من المقرر أن يكون جاهزا في 2012. ورغم حجم الاختلالات التي رصدها المجلس الأعلى للحسابات في تدبير هذه المرافق، ووصل بعضها إلى المحاكم، فقد تعثر إخراج الإصلاح، وظلت المجالس الجماعية المعنية تتخبط في تدبيرها، والعجز عن إعادة هيكلتها، وإسناد تدبيرها إلى شركات، عل غرار عدد من المرافق، من خلال التدبير المفوض، أو إحداث شركات تنمية لهذا الغرض.
وظلت وعود الحكومات المتعاقبة بإدخال إصلاحات هيكلية على أسواق الجملة وجميع حلقات توزيع وتسويق المنتوجات، وتأهيلها وعصرنتها وتقليص عدد المتدخلين، دون تنزيل، في انتظار مخطط شامل لتنظيم التجارة الداخلية، يشمل الموارد البشرية والآليات المالية والمؤسساتية التي ستدبر تلك المرافق.
ورقة تقنية
يتكون سوق الخضر والفواكه بالجملة بمكناس من أربع مربعات يشرف على تسييرها 20 وكيلا يمثلون بالتساوي رجال المقاومة والوكلاء الأحرار الذين يتم اختيارهم من قبل الجماعة عن طريق المباراة، وفق دفتر تحملات خاص يحدد مهامهم وحقوقهم.
ويشغل السوق 16 مستخدما قانونيا مصرحا بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى المستخدمين الذين يشغلهم الوكلاء، حسب حاجة كل مربع.
كما يوفر السوق العمل لما يقارب 300 من الحمالة الذين يقدمون خدمة للتجار وزبناء السوق.
وينص القانون المنظم للسوق على أن يؤدي الوكلاء مستحقات الجماعة كل عشرة أيام، والتي تمثل نسبة 5 في المائة من المداخيل، فيما يحتفظ الوكيل بنسبة 2 في المائة، يؤدي منها أجور المستخدمين ومصاريف الماء والكهرباء، وضريبة النظافة.
ويبلغ عدد مموني السوق بشكل دائم 240 ممونا، بالإضافة إلى 15 ممونا موسميا يوميا. ويشتغل السوق طيلة أيام الأسبوع من الساعة الخامسة صباحا إلى الساعة الواحدة بعد الزوال بالنسبة للبيوعات، فيما يستقبل على مدار 24 ساعة شاحنات التموين.
الكاتب : | هيئة التحرير |
المصدر : | الصباح |
التاريخ : | 2019-08-10 10:24:00 |