آخر الأحداث والمستجدات
الأكاديمية العسكرية بمكناس : مشتل النخب العسكرية المغربية
تخضع المؤسسة العسكرية لنظام تراتبي صارم يقوم على هرمية عسكرية تتكون عادة من الضباط العسكريين الذين تكونوا في أكاديميات عسكرية، والذين يتميزون عن بعضهم البعض بالرتب العسكرية التي يتمتعون بها من خلال الترقيات التي يشرف عليها الملك كقائد أعلى للقوات المسلحة، والتي تتم من خلال نظام مراسيمي خاص.
1. أكاديمية مكناس وإعادة إنتاج النخب العسكرية
على غرار مدارس الأعيان التي أسستها سلطات الحماية الفرنسية، كثانوية مولاي إدريس وثانوية مولاي يوسف وثانوية أزرو، لتكوين النخب السياسية التي كانت السلطة الاستعمارية في حاجة إليها لمساعدتها على إدارة البلاد، فقد شكلت الأكاديمية العسكرية بمكناس المشتل الرئيسي لتكوين وإعادة إنتاج النخبة العسكرية المغربية.
فقد استهدف المارشال ليوطي من خلال تأسيسه لهذه المدرسة إعادة إنتاج نخب عسكرية تخلف نخب القواد والباشوات والأعيان الذين وظفوا في تهدئة المغرب وإدارته تحت سلطة الحماية.
وفي هذا الإطار، أشار الباحث بنهلال إلى أن تأسيس هذه الأكاديمية من طرف المارشال ليوطي كان يندرج ضمن سياسة إعادة إنتاج اجتماعية تتجسد في تهييئ أبناء الخيام الكبرى لخلافة آبائهم في إدارة وحكم القبائل. وقد ظهر ذلك واضحا من خلال كون نسبة 70% من التلامذة الضباط الذين تخرجوا في هذه الأكاديمية في الفترة ما بين 1918 و1941، كانوا ينتمون إلى العائلات النافذة التي كانت تزاول سلطة محلية؛ فقد تم إحصاء 72 تلميذا ضابطا في تلك الفترة كان أبوه إما قائدا أو باشا أو خليفة أو شيخا.
ونتيجة لذلك، تشكلت نخبة عسكرية مغربية تميزت عن نظيرتيها الجزائرية والتونسية بتجربتها وترقيها داخل صفوف الجيش الفرنسي أو الإسباني، كالجنرال الكتاني، والجنرال إدريس بن عمر، والكولونيل محمد أوفقير، والقبطان أحمد الدليمي، والمارشال محمد أمزيان...(ينحدر معظم هؤلاء الضباط من طبقة الأعيان القرويين من ملاكين ورجال سلطة، آباؤهم خدموا فرنسا في عهد الحماية، مما جعل ضباط الشؤون الأهلية يتكلفون بأبنائهم وتخريجهم كضباط وضباط صف لخدمة الجيش الفرنسي والقتال في صفوفه خلال الحرب العالمية الثانية، وقمع مقاومي الحركة التحررية، سواء في المغرب أو في باقي المستعمرات الفرنسية، خاصة في الهند الصينية). وبالتالي، فإن جل هؤلاء الضباط، الذين كونوا العناصر الأولى للنخبة العسكرية في المغرب، قد حصلوا على درجاتهم العسكرية خلال مشاركتهم في هذه الحروب.
2. أكاديمية مكناس وإعادة هيكلة النخب العسكرية
وبعيد تأسيس القوات المسلحة الملكية من طرف المؤسسة الملكية، مجسدة في ولي العهد آنذاك المولى الحسن، أسندت لهذه الأكاديمية مهمة تكوين الضباط في مختلف أنواع الأسلحة، من مدفعية وبحرية، للحصول بعد ثلاث سنوات على تكوين نظري وتدريب عسكري يتوج بدبلوم الدراسات العليا العسكرية. ولعل هذا الدبلوم هو الذي يميز جل الضباط عن باقي الفئات العسكرية الأخرى.
وهكذا، تم الحفاظ على السياسة الانتقائية التي سنتها السلطات الاستعمارية الفرنسية حتى بعد الحصول على الاستقلال؛ إذ بقيت أبواب الأكاديمية العسكرية بمكناس مقفلة أمام العديد من الشرائح الشعبية من خلال فرض بعض المعايير على المرشحين الذين يرغبون في ولوجها والبحث عن مستقبل عسكري داخلها. في المقابل، كانت تمنح تسهيلات عدة للالتحاق بهذه المدرسة لأبناء كبار الضباط العسكريين أو أبناء النخب الإدارية من رجال السلطة وغيرهم، أو لأولئك الذين يتم التدخل لصالحهم. وبهذا الصدد، أشار أحمد رامي، أحد الضباط المتهمين بالتورط في انقلاب الصخيرات، إلى أن التحاقه بهذه الأكاديمية كان بتدخل من طرف الجنرال محمد المذبوح.
لكن يبدو أن محاولتي الانقلاب العسكريتين الفاشلتين في بداية سبعينات القرن 20، قد جعلتا الملك الراحل الحسن الثاني يعمد، في إطار إعادة هيكلة النخبة العسكرية، إلى اللجوء إلى إجراءات عدة؛ من أهمها تقوية جهاز الدرك الملكي الذي أسندت قيادته إلى الجنرال حسني بنسليمان الذي أصبح من المقربين من الملك الراحل بعدما لعب دورا أساسيا في إحباط المحاولتين الانقلابيتين: الأولى عندما كان عاملا على مدينة طنجة التي بثت إذاعتها الجهوية خطاب الملك الذي أثبت للرأي العام أنه مازال حيا بخلاف البلاغ العسكري الذي أطلقه الانقلابيون من إذاعة الرباط المركزية التي كانوا يسيطرون عليها، والمحاولة الثانية عندما كان عاملا على القنيطرة التي انطلقت من قاعدتها الجوية الطائرات التي قصفت الطائرة الملكية وحاولت إرغامها على النزول وإرغام الملك على التنازل على العرش.
وهكذا وفر لهذا الجهاز كل الإمكانيات اللوجستيكية والبشرية والمالية للاضطلاع بالمهام المسندة إليه لمراقبة مختلف وحدات المؤسسة العسكرية، والحفاظ على الأمن في المجال القروي، والتواجد في مختلف الأسلحة العسكرية.
ولعل هذا ما جعل الضباط المتخرجين في الأكاديمية العسكرية بمكناس عادة ما يفضلون التعيين في هذا الجهاز، ما حوله إلى مجال لاستقطاب النخب العسكرية وجسر لتقلد مهام عسكرية وأمنية حساسة.
فبالإضافة إلى الجنرال دو كور دارمي حسني بنسليمان الذي تقلد عدة مهام إدارية (عامل على طنجة والقنيطرة) وأمنية (الإدارة العامة للأمن الوطني، وحدات التدخل السريع، قيادة الدرك الملكي)، هناك الجنرال دو ديفزيون حميدو العنيكري الذي تقلد كل المهام الأمنية، سواء بإدارة التراب الوطني أو الإدارة العامة للأمن الوطني أو المفتشية العامة للقوات المسلحة، والجنرال محمد بلبشير الذي عين على رأس المكتب الخامس قبل إقالته في غشت 2006.
كما اهتم الملك الراحل الحسن الثاني بتنويع المنحدرات الإقليمية التي ينتمي إليها الضباط المتكونين بالأكاديمية العسكرية، حيث لم يعد الأمر يقتصر على أبناء أعيان المناطق الأمازيغية، بل أصبحت الأكاديمية تستقطب أبناء مناطق أخرى. وهكذا تكونت في هذه الأكاديمية نخب عسكرية من شرائح ومنحدرات جغرافية وجهوية مختلفة، بعد أن كانت مقتصرة على شرائح بربرية تنتمي خاصة إلى أعيان منطقة الأطلس المتوسط وغيرها من المناطق الأمازيغية.
وقد أسست مدارس وأكاديميات لتخريج الأفواج العسكرية من تلاميذ وضباط، من بينها:
- الأكاديمية الملكية العسكرية.
- المدرسة الملكية الجوية.
- المدرسة الملكية البحرية.
- المدرسة الملكية للطب العسكري.
- مدرسة الدرك الملكي.
لكن على الرغم من كثرة الثكنات والمدارس العسكرية التي أصبح يتوفر عليها المغرب، فإن الأكاديمية العسكرية بمكناس تبقى المؤسسة العسكرية الوحيدة بامتياز التي تؤهل صاحبها للحصول على تكوين نظري وتدريب عسكري يتوج بدبلوم الدراسات العليا العسكرية.
ولعل هذا الدبلوم هو الذي يميز جل الضباط عن باقي الفئات العسكرية الأخرى؛ فالحصول على هذه الشهادة العسكرية العليا عادة ما يفتح الباب لمستقبل عسكري يؤهل صاحبه، خاصة إذا كان منتميا لإحدى العائلات المعروفة، للاندماج مستقبلا ضمن مكونات النخبة العسكرية بالمغرب.
الكاتب : | د.محمد شقير |
المصدر : | هسبريس |
التاريخ : | 2019-05-11 15:37:56 |