آخر الأحداث والمستجدات
سجناء يخلقون الحدث بمسرحية 'مبارك ومسعود' في عرض لها بقاعة لمنوني بمكناس
للحرية طعم ليس له حدود التذوق لا بالمر ولا بالحلو، للحرية مساحة خشبة مسرح تضيق بالحراسة المشددة وتتسع بالتعبير عن إكراهات الواقع المفضي إلى سجن الحرية وحراسة كفالة السلطة. للحرية تعبير عن الذات والآخر سواء بالتوافق أو التناقض. في قاعة المنوني الثقافية بمكناس حضرت مسرحية (مبارك ومسعود )، كل أشخاص الفرقة المسرحية هم من رمت بهم الظروف بالكره أو بسوء تدبير نحو وسط السجون المغربية.
مسرحية مثلت المجتمع المغربي بكل آهاته و انزلاقا ته الهامشية، مسرحية مثلت نموذجا صادقا من الهندسة الاجتماعية المتداخلة بالتباين والتقاطع، ولما حتى التوليفات التي نتعايش معها، فمن مقاطع الفرق الموسيقية، و تواجد الشيخات ، والحكواتي صاحب القرد، والراقي، وحتى ازدواجية المتناقضات المذيعة والصورة.
تجول بك مسرحية (مبارك ومسعود ) عبر مجرات اجتماعية ومشكلات مزلزلة لإشكالات اجتماعية مسكوت عنها، وحتى المتحدث عنها بالصوت الصامت. مسرحية تجعل من نقد الذات بالتموضع الأولي، وتولي النظر نحو سوء أحكام القيمة تجاه السجناء و تعميم نمطية القول بالتعويم. مسرحية تصنع رؤية البحت عن تعديل وتصويب سلوكيات المجتمع من الداخل. مسرحية لا تبحث عن لحظة شفقة، وليس بغاية خلق فجوة رأفة عن من يسكن السجن، بل لأجل استبدال أرجل التموقعات والتموضعات وجعل الحرية مقياسا سليما.
حضرت الفكاهة الحاملة للحظة ضحك، لكنها تمرر رسائل بليغة لتقويم ممارسات غير سوية بعموم قطاعات الدولة، من قطاع التعليم، إلى قطاع الصحة، إلى الحريات والعدل، إلى العلاقات الإنسانية غير السوية. حضر متاريس المجتمع الجانبية من خمر وجنس ومثلية ورقص ، لكن حضورها ليس للهو بل للنقد والتصويب رؤية مستقبل. حضرت الكلمة الهادفة الممزوجة بالفكاهة والضحك، حضر الجمهور إلى قاعة المنوني الثقافية واستمتع بعرض مسرحي في قيمة المسرح الاحترافي الذي افتقدناه بمكناس مع ترحيل مهرجانها نحو مدينة تطوان.
كلمات مخرج المسرحية (أنت... وأنت...وأنا...ممكن أن نكون مكانهم... لذا المعادلة السوية هي في قبول الاختلاف و تغيير التموقعات ، في فسح فسحة مظلة آمنة للإدماج والانتقال من حالة العود إلى مرحلة اللاعود النهائية ...).
في لقطة عفوية خارجة عن منصة الخشبة ومسرحية (مبارك ومسعود) صادفت بنهاية المسرحية وأنا أهم بمغادرة قاعة المنوني أسرة أحد ممثلي المسرحية ، حينها شدني ابنه مطالبا أن أحمله عاليا ليرى أباه، لم أتردد البتة وحملته على كتفي ، كم كانت تلك اللحظة موقظة لكل مشاعري الإنسانية، حين نقلتني تلك اللحظة من ضحكات مشاهد المسرحية إلى إحساس بحزن عميق مرفق بالمساءلة عن الحرمان من الأسرة و احتضان الأبناء.
حين حملته الابن الذي لم يكن عمره يقترب من سبع سنوات، اقتربت من المنصة الخشبية وتركت الابن يلوح بابتسامة طفولية وفرح نحو أبيه، شاهدت دمعات الأب تسيل عفويا وهو يقبل يده تجاه ابنه وابنته، شاهدته وهو يشكرني بقوة حين رفعت ابنه عاليا ليصفق فرحا بأبيه الممثل وليس من يسكن السجن.
لم تمض إلا لحظات حتى سمح لي بالاقتراب من الخشبة و الدفع بالابن والابنة نحو أبيهما لينالا قبلات منه. كل من بالقاعة أحسن بألم الطفولة وسوء الفراق و الابتعاد الكرهي. كل من في القاعة صفق لهذا اللقاء غير العادل و المتسم بالصدفة وفوق خشبة مسرح تمثيل لا حياة سوية.
حين سحبت الطفلين من المنصة والله لأحسست أني في هذا اليوم قمت بحسنة ممكن أن تكون مقبولة عند الله، أحسست من دمعة زوجة السجين/ الممثل وشكرها لي أن الحرية لا تقاس بثمن . في طريق العودة شكرني صديقي المرافق لي عن هذه المبادرة و طلب من الله أن يجعلها ضمن ميزاني حسناتي .
متابعة محسن الأكرمين
الكاتب : | محسن الاكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2019-02-26 23:17:26 |