آخر الأحداث والمستجدات
عندما نزلت غضبة 'الإله باخوس' على ساكنة زرهون
في 1982 تعرّضَ موقع وليلي لسرقة أنفـَس تحفة كان المغرب يتوفر عليها إلى ذلك الحين.. وعاشت قرية «فرطاسة»، المتاخمة لمدينة وليلي، ولمدة شهرين ونصف تقريبا، أحداثا اجتماعية مُرعبة، وأصبح ذلك العام محفورا في ذاكرة الناس باسم «عام باخوس»، نسبة إلى تمثال باخوس (إله الخمر عند الرومان) الذي سُرق من الموقع الأثري في ظروف غامضة..
كان الملك الحسن الثاني، في أوائل شهر ماي من تلك السنة، يستعدّ لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية حينما تلقى خبر سرقة باخوس.. كان يعلم قيمة تلك التحفة النفيسة، فهناك تماثيلُ لإله الخمر لكنها مُجرّدُ نسخ غير أصلية، لتبقى نسخة وليلي هي الفريدة على الإطلاق.. كان الملك يعلم هذه الحقائق فأعطى تعليمات صارمة بـ»النبش عن هذا الإله تحت الأرض أو الإتيان به من عنان السماء»، قبل عودته من أمريكا..
لم تمرَّ سوى ساعات قليلة على ذلك «الأمر» حتى طوقت السّلطات القرية المقابلة لموقع وليلي بأكثرَ من 50 سيارة «جيب» تابعة للدرك الملكي، فيما تكلفت طائرات «الهيلكوبتر» بتمشيط المكان حتى لا يتسلل أحد خارج القرية.. كانت نتيجة ذلك الحصار اعتقال كل رجال القرية المنكوبة وتعذيبهم لمدة أسابيع، مما أدى إلى وفاة أربعة أشخاص متأثرين بـ«المعاملة القاسية» التي تعرّضوا لها في مخافر الدرك في مدينة مكناس.
«المساء»، وبعد مرور ما يزيد على 30 سنة، تكشف -لأول مرة- رواية السكان حول سرقة باخوس وطريقة تعذيبهم و«الإرهاب» الذي مورس عليهم «لانتزاع اعترافات مُزيَّفة من أناس بسطاء لا يفرّقون بين الحجر العادي وتحفة نفسية من الرّخام».. والمثير أكثر في شهادات من عايشوا تلك الأحداث الأليمة هو اتهامهم زوجة جنرال كبير في الدولة بـ»سرقة التمثال» وإخراج التحقيق البوليسيّ العسير، الذي تعرَّض له السكان في شكل «مسرحية» مُضحكة/ مُبكية لم تؤدّ إلى أي نتائج»..
كانت الطريقة الوحشية التي تعاملت بها السلطات مع سكان القرية درسا تيداكتيكيا من دروس مغرب الحسن الثاني، حينما كانت العصا والرّصاص الوسيلتين الوحيدتين لانتزاع التصريحات و»تربية» الشّعب. بيد أنّ السلطات أدركت، بعد شهرين من «التنكيل» بأهالي القرية، أنها كانت مخطئة، «لأنّ التمثال اكتـُشف في مكان ما في إيطاليا»، حسب روايات مصادرَ رسمية، أوردت أنّ «المغرب لم يستطع آنذاك دفع مقابل خيالي لمالك التمثال الذي اشتراه بطريقة قانونية من إحدى المافيات المتخصّصة في سرقة الآثار». ووجّه أشخاص آخرون التقتهم «المساء» خلال إنجاز هذا الملف أصابع الاتهام إلى زوجة أحد الجنرالات الكبار (نتغاضى عن ذكر اسمها بسبب غياب أدلة مادية)..
إنّ السؤال المطروح اليوم لم يعد: «من ترك باخوس وحيدا؟ ومن سرقه؟ وأين يوجد حاليا؟»، ولكنّ السؤال الحقيقي هو: هل توقف نهب التراث المغربي من طرف المافيات المتاجرة في الآثار في أروقة بيع التحف العالمية؟ وهل أصبح التراث الوطني مُهدَّدا بالفناء؟
يبدو من خلال المعطيات التي حصلت عليها «المساء» ومن الحوارات المدرَجة في ملف هذا العدد، أنّ السرقة والتهريب ما يزالان قائمَين، بل وبدرجة أكبرَ في بعض المواقع الأثرية (القبوز الجنائزية، القصور المطمورة، المخطوطات).. غير المحروسة، التي تعجز الوزارة، بسبب غياب الامكانيات المادية والبشرية، عن استكشافها، ممّا يُعرّضها بشكل شبه يوميّ للنهب من طرف حفاري القبور وعملاء المافيات الدولية المُتخصّصة في تهريب الآثار، وبالخصوص في الجنوب المغربي.
وإذا كان الناس يتفهّمون سرقة الآثار من مناطق مجهولة حتى لوزارة الثقافة ولمديرية التراث، بسبب أعمال التنقيب السّري في جُنح الظلام، وكل ما يخلفه ذلك من تخريب لمعالمَ أثرية ترجع إلى عصور غابرة، فإنّ الطامة الكبرى هي تعرّضُ مواقعَ أثرية في المدن الكبرى للسرقة والنهب. فقد تعرّضت حصون شالة في العاصمة الرباط وموقع ليكسوس، بالقرب من العرائش، باستمرار للسرقات المتتالية، فضلا على نهب النوافذ والأبواب الخشبية ذات القيمة الكبيرة في فاس ومراكش ومكناس..
ويظلّ ضُعف ميزانية وزارة الثقافة، وغياب تكوين الجمارك على طرق تهريب الكنوز الثقافية، وتخلف حكومة عباس الفاسي عن الوفاء بتعهد سبق لوزير الثقافة الأسبق بنسالم حميش أن قطعه على نفسه بالتقدم إلى البرلمان بمشروع قانون لإنشاء «شرطة التراث»، عواملَ ضمن أخرى، تدفع في اتجاه تزايُد عمليات استنزاف الثرات الوطني وتناحُر المافيات الدولية على هذه الغنائم.. وإذا وجد قارئنا هذه المقدمة عجلى، فما عليه إلا أن يستنفرَ جميع حواسّه ليتابع معنا تفاصيل هذا الملفّ في الصّفحات الموالية..
الكاتب : | محمد أسعدي |
المصدر : | المساء |
التاريخ : | 2013-05-03 23:42:35 |