آخر الأحداث والمستجدات
تاريخ "الكاريانات" بمكناس
لا تجتث معاول الهدم، التي تنشط، هذه الأيام، بعدد من الكاريانات ودواوير الصفيح بالمغرب “آخر براكة” تحقيقا لمشروع “مدن دون صفيح”، بل تشطب على جزء أساسي من تاريخ المغرب الحديث وذاكرة جماعية طافحة بالأحداث والأسماء والصور والشهادات، يجتهد بعض الباحثين والأساتذة الجامعيين في الحفاظ عليه بصعوبة كبيرة.
يعتبر عدد من الباحثين أن دوار الفخارين كان أول مظهر من مظاهر السكن غير العادي بمكناس. وأورد الباحث بوزيان بوشنفاتي، في دراسته حول البناء الاجتماعي لمدن الصفيح، نشرة صدرت في 16 دجنبر 1971 تحدثت عن ظهور الحي في1900 وبني على أراضي الأحباس على مساحة 20 هكتارا.
في حين تذكر النشرة نفسها أن برج مولاي عمر الشهير ظهر في 1940 على أرض تملك الدولة جزءا منها ويملك الخواص جزءها الآخر. وقال الباحث إن هذا التاريخ لا يتفق مع المعلومات الوثائقية والشفاهية المتوفرة لديه، أو روايات المسنين الذين هاجروا إلى هذا الحي قبل هذا التاريخ.
ومؤكد أن تاريخ هذا الحي يرجع إلى ما قبل 1930 بكثير، بدليل وجود مجموعة من النوالات والأكواخ في المكان المسمى بمنزه عمر الذي يوجد خارج المحيط الحضري، كما أن الحي لم يتكون دفعة واحدة، أخذا بعين الاعتبار الامكانيات الديموغرافية في المغرب في هذه الفترة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي النسبي الذي كان يعرفه المغرب، “وهذا ما يدفعنا إلى القول إن إرهاصاته الأولى بدأت قبل 1920. وتؤكد الأخبار الشفوية أن السكان الأوائل لهذا الحي تكونوا من عمال الخط الحديدي طنجة – فاس”، يقول بوشنفاتي.
وتشدد ما يسمى تقارير البلدية على الصراع الحاد الذي نشب بين السلطات المحلية الاستعمارية وبين اليعقوبي مالك الأرض التي بني عليها الحي. وخوفا من اتساع محتمل لهذا المجمع السكني، كتبت إليه البلدية في ماي 1935 تحذره من عواقب إقامة حي “سيتسبب في تلويث العين الوحيدة التي يستعملها السكان المسلمون المجاورون للتزود من الماء”.
ووصل عدد المساكن في 1936 إلى 400 سكن عبارة عن “نوالات”. وتكون حي آخر شرق عين بيدرو، العين التي تزود السكان بالماء. وأمام هذا التصاعد الديمغرافي المستمر، أصبح من المستحيل على السلطات أن تتحكم في هذه الأحياء، عن طريق التنظيم الإداري السابق والذي يعتمد أساسا على الشيخ.
وكان برج مولاي عمر حسب التقارير الموجودة بالبلدية قبل الاستقلال، مخصصا لخدم المنازل عند الأوربيين، ما يؤكد حرص هؤلاء على عزل من يشتغلون لديهم بشكل أو بآخر عن بقية الشعب المغربي، كما كانت تفعل السلطات نفسها في ما يخص الموظفين والأعيان، بل عمدت السلطات الاستعمارية إلى محاربة أحياء الصفيح، نظرا لدقة الظروف التاريخية، سيما خلال مرحلة المقاومة الوطنية.
إن الفصل بين خدم المنازل عن بقية “الشعب” وإلحاح الأوربيين على عزلهم في حي خاص هو برج مولاي عمر، يؤكد بوضوح طبيعة العلاقة بين هذا الحي والمدينة، أي بين المحيط والمركز. ويمكن أن نعثر على هذا النوع من العلاقات في أحياء أخرى، إذ يبدو من خلال التقارير المرتبطة بالصفيح بمكناس في مرحلة قبل الاستقلال، أنه لم يكن يسمح بتكوين حي من أحياء الصفيح إلا إذا كانت إمكانيات تشغيل السكان بطريقة أو بأخرى.
الكاتب : | يوسف الساكت |
المصدر : | جريدة الصباح |
التاريخ : | 2018-08-16 17:44:48 |