آخر الأحداث والمستجدات
الحلقة الثالثة: مهرجانات الفرح الزائل وحدود التنمية المندمجة بمكناس
بمكناس هل نحن بحاجة ماسة إلى نقاش فسيح ومفتوح حول حصر أدوار المهرجانات وعلاقاتها بالتنمية المجالية؟ هل الفرح و البسمة بمكناس هي من بين الأهداف المركزية التي تخلق تدافعا غير سوي و لا رحيم بين المهرجانات ؟ هل اللعب على أدوار تعزيز مفهوم العقد الاجتماعي بمكناس (مجتمع منفتح) لن تكتمل صورته إلا بتناسل المهرجانات؟.
نعم متوالية "ادفع" بكل مهرجان إلى الأمام بمكناس تحيلنا إلى حسارة رؤية التنمية الشمولية في الرأس المال البشري وتوطين المساواة الاجتماعية بمعادلة الكرامة الدستورية، هذه القاعدة العامة ممكنة الإزاحة بالتعميم على كل الأقاليم والجهات التي تركب على سياسة نعامة المهرجانات.
لنعلن من يومنا هذا، وليس بركوب إدمان العدمية أن مكناس هي النموذج الطيع الأمثل لكل الاختلالات البنيوية المجالية. المدينة التي تشنجت أيدي المسؤولين المنتخبين بالتلاحق الزمني على تحقيق تنمية القرب المندمجة، وعلى تلبية احتياجات الساكنة البسيطة والمتضمنة في خانة العيش الكريم. هنا أصبح لزوما الإقرار عند منصة افتتاح مهرجان الجماعة الثاني أن مؤشرات النموذج التنموي بالمدينة وصل حد الإفلاس وأضحى غير قادر على تحريك عجلة الرقي بالمدينة نحو العدالة الاجتماعية.
خطاب تسويق الفرح المفبرك داخل قاعة الفقيه المنوني، هو تأجيل ضمني لإيجاد حلول عادلة ومنطقية لمشاكل مكناس العالقة منذ السنوات الماضية، هو هروب مفزع من إعادة صياغة ترتيب البيت المكناسي وفق نموذج تنموي بديل يعالج كل نقاط الاختلال والضعف البادية في الحياة اليومية على الساكنة والمدينة، هو تأجيل ممل وقاتل لبناء تنمية اجتماعية وتحريك العجلة الاقتصادية وفق تخطيط استراتيجي بعيد المدى و بمصادر تمويل مضبوطة من المال العام للدولة.
سقطة مكناس المدوية في فجوة سلم بؤس التنمية المجالية بالمملكة، لها الأسباب المتعددة التي يطول ذكرها دون أن نتمكن من حصرها. لكن لنقر بموجه القول العام أن فشل النموذج التنموي بالمدينة سببه المراهنة التامة على النموذج الاقتصادي (الخاص) والذي هو بيد حفنة بالامتلاك المفرط بدل تبني النموذج الاجتماعي كعدالة اجتماعية. هي ذي الحقيقة التي يتم القفز عليها بالبهرجة والفرجة الزائلة عبر مهرجان الأضواء والموائد المستديرة. هذه هي الحقيقة التي نعلنها جهارا أن المدينة تفتقر إلى تيمة البداهة الاجتماعية كمشروع طموح للتنمية المندمجة البديلة.
لنعد مرة ثانية إلى نموذج مقومات واختيارات العقد الاجتماعي بمكناس(مجتمع منفتح). هنا سنسقط لا محالة لنا في ذكر التضارب بين الخطاب السياسي المرجعي للأغلبية المريحة المدبرة للشأن المحلي، والذي هو يروم إلى إعادة إنتاج قيم المغرب العتيق بالتطويع الكرهي مع بوابات الحداثة المفتوحة، وبين الممارسة - (التصالح مع الثقافة الرخوة بعد التمكن من التسيير)- في تأثيث فضاءات المدينة بمهرجانات منصات الغناء وتسويق ثقافة النشاط والبهرجة الباذخة. إنه التناقض والعطب بين الرؤى التصورية (البرنامج السياسي الحامل لمشاريع أخلاق العناية الفضلى ) وممارسة تدبير الشأن العام بالبراغماتية.
كل نقاش قيمي حول الثقافة النظيفة والرخوة يحيلنا إلى رزمة تجاذب شديدة، يوصنا إلى أشكال غير صحية من التدافع والمقاومة. لكننا لن ندخل في ذلك المستنقع الجدالي، بل نقر للعموم أن المهرجانات بمكناس أصبحت منصة خطاب الجزء العلوي والصامت لتمرير مجموعة من الخطابات المشفرة والمضمرة والصريحة. أصبحت الملاذ الطيع والآمن بالتخفي عن كل الإخفاقات المتتالية في مجال التنمية والرقي بالمدينة نحو ممارسة أدوارها التاريخية. أصبحت المهرجانات تلك المنشفة التي تمحي التاريخ المكناسي وتهمش هوية مدينة وذاكرتها. أصبحت تلك المهرجانات تلعب دور " سكاتة الكبار" الصالحة للاستعمال الجماعي لتوقيف بكاء ورثاء أطلال مدينة المولى إسماعيل، وإلهاء الساكنة عن مشاكلهم العويصة (الشغل/ الصحة/ التعليم/ الرواج الاقتصادي والسياحي...).
كيف لنا بمكناس أن نفكر في بناء مشروع تنموي مندمج ؟، كيف لنا بمكناس أن نوقف هدر الزمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟، كيف لنا أن نتساءل عن الفعل السياسي وليس خطاب، "لا تقربوا ... " وكفى؟، كيف لنا أن نتجنب الالتباس والتردد في حسم وترتيب أولويات المدينة الملحة؟.
يبدو أن هذا النقاش الصحي قد فتحه مهرجان مكناس في نسخته الثانية، وهي الحسنة التي تحتسب وتكنش في سجل المهرجان الذهبي . وهي الفسحة السليمة لتكسير حلقات سلسلة متوالية "ادفع" والوقوف ضمن محطة التأمل لاتخاذ القرارات الجريئة والصائبة ، لأجل مدينة نأمل أن تكون تسميتها المستقبلية "مكناس منارة سايس". إنه الحلم الذي يراودنا حقيقة إن توحدت الجهود ورشدنا الأقوال والأموال لأجل نموذج تنموي بديل بالمدينة.
متابعة للشأن المكناسي : محسن الأكرمين
الكاتب : | هيئة التحرير |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2017-10-22 00:48:27 |