آخر الأحداث والمستجدات
على هامش انعقاد الدورة الثالثة للملتقى التلاميذي للإبداع الشعري بمدينة آزرو
نظمت المديرية الإقليمية للتربية الوطنية والتكوين المهني بإفران الدورة الثالثة للملتقى التلاميذي للإبداع الشعري تحت شعار" المدرسة المغربية الجديدة أفق الإبداع الشعري". وهي مبادرة طيبة تمنح التلاميذ الفرصة للتعبير عن دواخلهم وتفجير طاقاتهم. وفي ظل الأسئلة الحارقة الراهنة المتعلقة بالمنظومة التربوية، لابد للمدرسة المغربية بل المنظومة بأكملها أن تتبنى الرؤية الإبداعية.الإبداع مفهوم جوهري في أي خطة تروم النهوض بواقع التعليم في المغرب ولأننا سنردف هذا المقال بمقال آخر حول الدرس والإبداعيةleçon et créativité فسنرجئ الحديث عن هذا المفهوم وأهميته إلى حينه.
كان التلاميذ في إبداعاتهم الشعرية أكثر ثورية وأكثر تمردا، لامسوا الهم الفردي والهم الجماعي:قضايا المرأة، المرأة الأم والمرأة الهوية والبداية وأصل الثمرة، عبق أصوات فتية مسكونة بالغد وباستشراف مستقبل بأنوثة كاملة تكسر القوالب الجاهزة، انشغلوا بقضايا التهميش والفقر وبأسئلة الوجود والذات. وتكشف عناوين القصائد على بعد جمالي وبعد استعاري يتجاوز الاستعارة اللغوية إلى استعارة نفسية ورؤيوية وكونية ( اثنان- وراء الستار- السراب- كرسي الانتقام- ثامنها- من أنا- سلام علينا- آش واقع؟ étoiles_ nos mères )
صدحت في ذلك المساء الربيعي أصوات شعرية مسكونة بقضايا الوطن (تحرير الصحراء من ذي الباء) براعة العنوان والمعاني الفوارة تحملها سحنة أطلسية لطفل أمازيغي، جاء وزملاءه من تمحضيت على نفقة أساتذته ليحضروا الملتقى. فالجهة المنظمة لم تكلف نفسها توفير حق التنقل لهؤلاء التلاميذ.
كان التلاميذ الشعراء أوفى وأجرأ وأبهى في تقديرهم لحق الأستاذ، الذي رعاهم وتتبع خطاهم وواكب إبداعاتهم وحفزهم وأظلهم، في حين لم يحظ المربي الأستاذ من طرف الهيأة المنظمة للملتقى بأي اعتراف أو تقدير. تصطف المؤسسة الرسمية بموظفيها من مديرين وكتاب وتابعين وتابعي التابعين لتسليم الجوائز للفائزين، ويوارى الأستاذ خلف الستار، يغازل الصمت.
في قصيدة " إفران وعسكرية وعرفان" تبدع الطفلة المرأة:فدوى بلعيشي (الأولى باك علوم رياضية ) بصوت رخي وأداء فاق الخيال في رسم صورة للوفاء الأجل للمعلم المربي وللمدرسة.
هي تجارب على ما يشوبها من تعثرات (ضرورات البداية) تستحق التشجيع والتنويه، تجارب فتية تحبو على أرض الإبداع اللامتناهية.
شيء من الإجحاف كان في القراءة النقدية التي قدمت حول تجارب المبدعين الصغار، لقد قيم شعرهم من جهة الأوزان والمباني، ومدى خضوعه للمعيار الإيقاعي العربي القديم،وأن عليهم أن يسلكوا سبل الأوائل، ويعوا الأغراض الشعرية، ويتعمدوا في بحر الرجز والمضارع والمتدارك والمتقارب...لا أحد ينكر أهمية الذاكرة الشعرية العربية القديمة وعظمتها وخلودها، إنها لحظة تأسيسية في الخلق الشعري، ولابد للمبتدئ أن يتشرب نسوغها، وتصاحبه في رحلة الإبداع.ولكن كان الأولى أن يوجه التلاميذ إلى فعل القراءة في شموليته، القراءة كفعل خلاق، أن يحفظوا من الشعر ما طاب لهم عربي فرنسي إنجليزي أمازيغي...أن يعشقوا القراءة أولا ويعاشروها. وحدها القراءة تعيد ترتيب الأشياء في الذاكرة والنفس، وترعى الموهبة.
كان في ذلك النقد شيء من صرامة القواعد وسلطة التفكير من داخل النموذج، التفكير بأطر معرفية جاهزة ومكتملة هي التي تعطي الشرعية.
لقد أدرك التلاميذ أن الشعر خروج وانطلاق ومعاشرة لغوية. فالشعر هو الحياة، هو الإنصات لصوت الوجود القابع في أعماقنا، هو الحب والصلاة، هو نسمة الصيف وأنشودة المساء، هو اصفرار الأوراق في الخريف، هو الماء والولادة المتكررة، هو أنين العشب لم ينم، الشعر هو الحكاية وقصة الخلق، هو الوهج المنبعث من الموت وتراقص الأقطاب في ساعة الفجر، هو الغموض في الدين والعلم والفلسفة.
هذا ما ينبغي أن يتعلمه أبناؤنا وهم يدرسون الشعر، وليس ثقل المفاهيم والمصطلحات والأقيسة والأوزان والبناءات. ويذكرني هذا بالفيلم الأسطوري الذهبي (جمعية الشعراء الموتى) الذي قدمه الممثل البارع روبن وليامز لمخرجه بيتر وير. يتحدث الفيلم عن طرق التفكير ومناهج التدريس وتصورات الناس الجاهزة والمعدة سلفا وأساليب كسرها لصناعة حياة جديدة.
وفد جون كيتينغ أستاذ الشعر الإنجليزي على أكاديمية ولتون بروح عبقرية ثورية جعلته يغير مسارات حياة تلاميذه، ويؤثر فيهم، فيتذوقون الشعر بطريقة مختلفة تماما بعيدا عن جمود الأكاديمية ونمطيتها ويقوم الممثل الأسطورة روبن وليامز بدور كيتينغ في الفيلم.
في لقطة مثيرة وعبقرية وعميقة يمكن عدها مركزية داخل الفيلم يقوم الأستاذ بمعية التلاميذ بتمزيق المقدمة في كتاب الأدب الإنجليزي التي تتحدث عن معنى الشعر وفهمه، وكيف يمكن حساب عظمته بالطرق البيانية عموديا وأفقيا لكاتبه ريتشاردز.تمثل هذه اللقطة قطيعة مكشوفة مع المنهج التدريسي حول معنى الشعر والأجناس الأدبية الأخرى بطرق كلاسيكية جامدة على حساب رؤية منهجية أخرى لا تنظر للإبداع الأدبي على أنه عملية حسابية جافة خالية من الجانب العاطفي الرؤيوي.
يشير الفيلم إلى أهمية تحفيز الإبداع والتفكير الخلاق عند الطلبة: (لاحق أحلامك) (فكر بحرية ) (ابحث عن صوتك الانفرادي الخاص) (اغتنم اللحظة) هي من أجمل عبارات الفيلم لكاتبه توم شولمان.يقدم الفيلم نموذجا للتعليم الخلاق الذي يحفز العملية الإبداعية، مقابل ذلك النموذج الذي يقوم على التلقين والنسخ.
الكاتب : | بقلم مريم بويدارن |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2016-04-14 00:05:21 |